تصاعدت الأوضاع في قطاع غزة بعد انهيار الجولة التفاوضية الأخيرة، مع إعلان حكومة الاحتلال الإسرائيلي توسيع عملياتها العسكرية لتشمل الأحياء الغربية لمدينة غزة، في خطوة تهدف عملياً إلى تفريغ هذه المناطق من سكانها، الذين يشكلون الكتلة السكانية الأهم شمالي وادي غزة، أي في محافظتي غزة وشمال غزة.
وقد بدأت العملية بالفعل في الأحياء الشرقية للمدينة، وسط تسويق إسرائيلي لها باعتبارها المعركة "الحاسمة" لتحقيق أهداف لم تستطع آلة الحرب الإسرائيلية بلوغها منذ عامين. غير أن الخبراء يشيرون إلى أن هذا التبرير ليس سوى تكرار لادعاءات مشابهة خلال اجتياحات سابقة للقطاع، مثل أكتوبر ونوفمبر 2023، وفي مناطق خان يونس وجباليا والشجاعية.
ويبدو أن الهدف الفعلي للعملية الحالية يتجاوز النصر العسكري المباشر. فالضغط العسكري وحده لن يكسر بنى المقاومة أو يستعيد الأسرى الأحياء، ما يكشف أن الأولوية الفعلية للمسار الإسرائيلي هي الهندسة الديمغرافية للقضاء على الكتلة السكانية الفلسطينية في غزة، بدعم أميركي كامل، حيث تم التخطيط لتحويل المدن والمخيمات إلى أراضٍ فارغة وقابلة لإعادة الاستيطان.
مسار متتابع للتدمير والإفراغ
عملية "عربات جدعون" شكّلت نموذجاً للعدوان الإسرائيلي: التقدم عبر محاور متعددة، طرد السكان، التمركز العسكري على الأرض، ومنع عودتهم. أسفرت العمليات السابقة عن حصر أكثر من مليوني فلسطيني في جيوب محدودة، وسط حصار خانق وتجويع ممنهج، لتكون ذروة العملية الحالية استهداف شمالي وادي غزة لتفريغه بالكامل.
وتستند هذه الاستراتيجية إلى الضغط على المقاومة وإجبارها على تقديم تنازلات ضمن مقترحات أميركية، مثل مقترحات المبعوث ستيف ويتكوف، التي تضمنت إطلاق دفعات جماعية من الأسرى. أما الهدف الأوسع، فهو القضاء على أية قدرة للمجتمع الفلسطيني على الصمود في القطاع، وفق خطة التطهير العرقي التي تضمنت نقل السكان "طوعاً" أو قسراً، وتوفير غطاء اقتصادي لترك القطاع خالياً لإعادة الإعمار والاستثمار.
الشراكة الأميركية – الإسرائيلية
أثبتت الوثائق والتسريبات الأميركية أن الإدارة الأميركية، في عهد ترامب وبايدن، كانت شريكاً كاملاً في مسار "الحسم الشامل". شحنات الأسلحة الثقيلة، الجرافات المخصصة للهدم، ودعم الخطط الاستثمارية لإعادة بناء غزة، كل ذلك يعكس اتفاقاً بين اليمين الصهيوني والتوجهات الأميركية على تبني سياسة التطهير الديموغرافي تحت شعار "حل شامل".
وتقترن هذه السياسات بمشاريع استثمارية تُحوّل القطاع إلى واجهة سياحية وسكنية وتجارية، بينما يبقى الفلسطينيون خارجها، ما يجعل ما يسمى بخطط "إعادة إعمار غزة" غير قابلة للتحقيق ما لم يتم إفراغ القطاع بالكامل من أهله.
خيار الفلسطينيين والموقف العربي
في مواجهة هذه السياسات، يبقى الشعب الفلسطيني في غزة هو الحاجز الوحيد أمام مشروع التطهير العرقي، مسنوداً بمقاومة مستمرة رغم القتل والجوع اليومي. وعلى صعيد الإقليم، يظهر الموقف المصري كعامل كابح، لكنه وحده غير كافٍ لوقف آلة الحرب الإسرائيلية دون دعم عربي ودولي متصاعد لوقف الإبادة ووضع حد للشراكة الأميركية فيها.
يبدو أن ما يحدث في غزة وما بدأ يتسع إلى الضفة الغربية يمثل الخطوة الأولى في مشروع توسع أعمق يمتد إلى دول الطوق إذا لم تتدخل قوى عربية ودولية حاسمة لإجهاضه عند حدوده الحالية.