أعلنت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عن وجود صلة بين مسكن الألم المعروف باراسيتامول (أسيتامينوفين) وزيادة خطر الإصابة بالتوحد. وقد صرح وزير الصحة والخدمات الإنسانية، روبرت إف كينيدي الابن، بأن "وباء التوحد يتفشى" وفقاً لصحيفة واشنطن بوست الأميركية.
لكن هل الباراسيتامول هو السبب الحقيقي؟ وهل يمكن اعتبار التوحد وباءً؟
تزايد عدد الحالات التي تم تشخيصها بالتوحد، ويرجع ذلك غالباً إلى تحسين وسائل الفحص وزيادة الوعي، ولكن تحديد الأسباب الحقيقية ليس بالأمر السهل، حيث إن التوحد حالة معقدة تختلف أعراضها من شخص لآخر.
ما هو التوحد بالضبط؟
تقول جيرالدين داوسون، أستاذة الطب النفسي وعلوم السلوك بجامعة ديوك والمديرة المؤسسة لمركز ديوك للتوحد وتطور الدماغ، إن "التوحد ليس حالة واحدة، بل هو مجموعة من الحالات المتعددة ذات الأسباب المختلفة".
اضطراب طيف التوحد -الذي يعرف اختصاراً بالتوحد- هو حالة نمائية عصبية تتميز بصعوبات في المهارات الاجتماعية والتواصلية، بالإضافة إلى سلوكيات متكررة.
تتنوع أعراض هذه الحالة وتشمل:
- صعوبات في التفاعلات الاجتماعية، بما في ذلك صعوبات في الحفاظ على التواصل البصري، أو فهم نيات الآخرين، أو التكيف مع المعايير الاجتماعية.
- صعوبات في تكوين العلاقات أو الحفاظ عليها.
- حركات متكررة مثل رفرفة اليدين أو التأرجح ذهاباً وإياباً.
- اهتمامات محدودة أو مركزة بشكل مفرط.
- حساسيات حسية، بما في ذلك اللمس والأصوات والرؤية.
يعاني حوالي 30% من المصابين بالتوحد من إعاقة ذهنية كبيرة، ومهارات لغوية محدودة للغاية، وقد يحتاجون إلى رعاية مدى الحياة.
ويشير الباحثون إلى أن الاختلافات في كيفية تفاعل المصابين بالتوحد مع الآخرين قد لا تكون دائماً أمراً سلبياً.
ما الذي يسبب التوحد؟
يعتبر التوحد حالة مرضية متعددة المظاهر، مما يشير إلى عدم وجود سبب واحد واضح، لكن الباحثين أشاروا إلى أن التغيرات في الدماغ، خاصة في المناطق المسؤولة عن التفاعل الاجتماعي والتواصل، هي العامل المشترك.
يعتقد الخبراء أن هذه التغيرات تبدأ قبل الولادة، حيث وجدت دراسات التصوير العصبي تغيرات في مناطق الدماغ ودوائرها العصبية في عمر مبكر يصل إلى 6 أشهر لدى الأطفال الذين سيتم تشخيص إصابتهم بالتوحد لاحقاً.
وقد أظهر هؤلاء الرضع نمواً متسارعاً في قشرة الدماغ مقارنة بأشقائهم الذين لم يتم تشخيص إصابتهم بالتوحد.
تظهر أبحاث أخرى مؤشرات على تغير في وظائف الدماغ يمكن ملاحظتها في عمر 3 و6 أشهر.
يقول ديفيد أمارال، أستاذ الطب النفسي وعلوم السلوك بجامعة كاليفورنيا في ديفيس، "بعد 30 عاماً من البحث، اتفق العلماء على أن إصابتك بالتوحد تعني أنك ولدت به".
تلعب الوراثة دوراً كبيراً، إذ تظهر الأبحاث أن التوحد وراثي بنسبة تتراوح بين 80 إلى 90%، كما يمكن أن تؤثر العوامل البيئية على نمو الدماغ قبل الولادة.