تُعتبر شجرة السنط أكثر من مجرد نبات يزين ضفاف النيل، حيث اعتبرها المصريون القدماء سرًّا من أسرار الحياة، إذ تداخلت فيها الأسطورة بالعلم. استخدمت في العديد من الوصفات الطبية والدينية، بدءًا من منع الحمل وتسكين الكسور، وصولًا إلى علاج الجروح وتنقية الصديد. وقد خلدتها برديات مشهورة مثل "إبرس" و"هيرست" كرمز استثنائي متعدد الفوائد. في الوقت الحالي، تعود هذه الشجرة لتستعيد مكانتها بعد أن أدرجتها هيئة الدواء المصرية في مونوغرافيات الأعشاب، باعتبارها نباتًا علاجيًا يحمل إمكانات واعدة لمواجهة أمراض مستعصية.
شجرة سحرية خلدتها البرديات والأساطير
تُعتبر شجرة السنط النيلية، أو الأكاسيا نيلوتيكا، من الأشجار المعمّرة التي ارتبطت بجغرافيا وادي النيل، حيث انتشرت على ضفافه في مصر وجنوب ووسط السودان، لتصبح معلمًا طبيعيًا بارزًا وحاضرًا دائمًا في التاريخ. وقد حظيت هذه الشجرة بمكانة مميزة منذ العصور المصرية القديمة، واستمر الاهتمام بها عبر الأزمنة وصولًا إلى يومنا هذا.
تُلقب بـ "الشجرة السحرية" نظرًا لتعدد استخداماتها، التي بدأت منذ مصر القديمة؛ حيث استُخدمت في صناعة الأدوية والخبز والأثاث والتوابيت والسفن، بل وحتى العلكة والمشغولات الشخصية، لتترك بصمتها في تفاصيل الحياة اليومية على مر العصور. وقد خلدتها البرديات الطبية الشهيرة، مثل "إبرس" و"هيرست"، التي وثّقت وصفات علاجية غير مألوفة آنذاك: من منع الحمل، إلى علاج الجروح وإخراج الصديد، مرورًا بإيقاف النزف وتسكين آلام الكسور، وغيرها من الاستخدامات الطبية المدهشة.
تشير دراسة منشورة في مجلة الاتحاد العام لعلماء الآثار العرب عام 2019 إلى أسطورة مصرية قديمة تفيد بأن السنط هي الشجرة التي نشأت بطريقة سحرية حول جسد أوزوريس عندما جرفت المياه تابوته إلى الشاطئ، لذلك يطلق عليه في بعض البرديات "الشخص الموجود في الشجرة" وأيضًا "المتفرد في شجرة السنط"، لهذا كان يُنظر إليها على أنها "شجرة مقدسة". وقد آمن المصريون القدماء أن جميع الآلهة المعبودة لديهم ولدت تحت شجرة السنط، حتى أن الآلهتين: إيزيس ونفتيس قد حملتا اسم لقب "آلهتي السنط".
وصفات السنط المتوارثة عبر الأجيال
يشير الدكتور محمود أبو الحسن أحمد، الباحث في التاريخ القديم، إلى العديد من الوصفات الطبية التي استمر المصريون في استخدامها على مدار العصور اللاحقة. حيث يشير في دراسة له بعنوان: "شجرة السنط واستخداماتها في مصر خلال العصرين البطلمي والروماني" إلى مجموعة من الوصفات العلاجية، أبرزها استخدام عصير زهرة السنط في مشاكل غضاريف الأنف، وذلك بعد خلط الزيت بالعسل أو الماء، كما يُستخدم لعلاج مرض السكري. كما يُستخدم الصمغ المنبثق من الشجرة كعلاج لالتهابات الجلد الناتجة عن العدوى، وكذلك تقرحات اليدين وقرحة الفم، وتهدل العينين، وهو أيضًا علاج للأمعاء عند تناوله مشروبًا، وصبغة للشعر، وعندما يُخلط بالماء يصبح غسولًا لأمراض العيون.
تضيف الدراسة: "من المتفق عليه أن شجرة السنط المصرية تنتج أفضل أنواع الصمغ الذي يبدو مظهره مخطط ورمادي اللون، وكان سعر الرطل الواحد منه، ثمنه في القرن الثالث الميلادي ثلاثة دنانير".
ولا تزال الوصفات القائمة على نبات السنط متوارثة شعبيًا حتى اليوم، فمن وصفات علاج الجلد الحساس إلى وصفات منع الحمل وصحة الرحم، تمنحها الجهات الرسمية مصداقية أكبر، كما هو الحال مع هيئة الدواء المصرية، التي أدرجت السنط على رأس قائمة الأعشاب التقليدية المخصصة للاستخدام الطبي، ضمن "مونوغراف الأعشاب الطبية" الذي أشار إلى شجرة السنط أو الأكاسيا نيلوتيكا باعتبارها.