تعتبر حرب الاستنزاف التي خاضتها مصر ضد إسرائيل بعد هزيمة يونيو 1967، والتي استمرت حتى وقف إطلاق النار في أغسطس 1970، واحدة من أبرز مراحل الصراع العربي الإسرائيلي من حيث القوة والشراسة.
كان الهدف الرئيسي من هذه الحرب هو استعادة الثقة في الجيش المصري وإثبات أن الاحتلال الإسرائيلي لا يمكن أن يستمر دون ثمن. اعتمدت القيادة المصرية على سياسة الإنهاك التدريجي من خلال عمليات مدفعية واشتباكات محدودة وغارات جوية وعمليات فدائية نوعية.
حرب الاستنزاف
بدأت الشرارة الأولى للقتال في معركة رأس العش في أوائل يوليو 1967، حيث تمكنت قوة صغيرة من المشاة المصريين من صد محاولة إسرائيلية للاستيلاء على مدينة بور فؤاد عند قناة السويس. شكل هذا الحدث بداية استعادة الروح القتالية.
بعد ذلك بأسابيع قليلة، جاء الهجوم البحري المصري على المدمرة الإسرائيلية إيلات في أكتوبر 1967، والذي أعطى دفعة معنوية كبيرة، حيث أغرقت زوارق الصواريخ المصرية السفينة الحربية إيلات أمام شواطئ بورسعيد. اعتُبر هذا الإنجاز الاستراتيجي خطوة مهمة أعادت التوازن النفسي إلى الجبهة.
ومع مرور الوقت، أخذت الحرب طابعًا أكثر شمولًا، خاصة ابتداءً من مارس 1969، حيث شنت المدفعية المصرية قصفًا مكثفًا على طول جبهة القناة فيما عُرف بمرحلة الاستنزاف الشامل. خلال هذه المرحلة، تم تدمير عدد من النقاط الحصينة على خط بارليف، وبدأت القوات الخاصة المصرية بتنفيذ عمليات عبر القناة استهدفت مواقع إسرائيلية حساسة.

مرت حرب الاستنزاف كما يذكر المشير محمد عبد الغني الجمسي في مذكراته بأربع مراحل اختلفت في شدتها ونوعية الأسلحة المستخدمة. من أبرز هذه العمليات كانت عملية لسان التمساح، التي أظهرت تطور تكتيكات الصاعقة المصرية، وجاءت ردًا على استشهاد الفريق عبد المنعم رياض.
في صباح 9 مارس 1969، دوّى خبر استشهاد رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية الفريق عبد المنعم رياض وهو بين جنوده على الجبهة الغربية للقناة. لم يكن مجرد قائد عسكري يباشر مهام منصبه، بل كان رمزًا لإرادة مصرية أعادت إلى المؤسسة العسكرية روحها بعد الانكسار المرير في يونيو 1967. كان سقوطه برصاص العدو في موقع متقدم على الجبهة.
كما يذكر عبده مباشر وإسلام توفيق في كتابهما "حرب الاستنزاف"، فإن وجوده في الخطوط الأمامية لم يكن عملاً استعراضياً بقدر ما كان رسالة واضحة أن القائد لن يختبئ خلف المكاتب بينما جنوده يواجهون الموت. وقد جعل منه ذلك مثالا خاصًا لكل الوحدات القتالية التي كانت تشتبك مع العدو في حرب الاستنزاف، خصوصًا تلك المجموعات التي عملت خلف الخطوط.
من أبرز هذه الوحدات كانت "مجموعة 39 قتال"، أشهر مجموعات الصاعقة المصرية بقيادة المقدم إبراهيم الرفاعي، وقد رأت أن دماء رئيس الأركان تستحق ثأرا. كانت هذه المجموعة من الوحدات القتالية التي لعبت دورًا بارزًا في تنفيذ عمليات نوعية ضد العدو، مما ساهم في تعزيز الروح المعنوية للجنود المصريين.