في قطاع غزة المحاصر من قبل إسرائيل، أصبحت لقمة العيش والماء حلمًا بعيد المنال، حيث يبيت الأطفال الفلسطينيون على الطوى ويعانون من وطأة الجوع القاسي، مما حول أجسادهم البريئة إلى هياكل عظمية، ولم تفلح الصور المنتشرة في الإعلام في دفع إسرائيل إلى رفع الحصار وإدخال المساعدات.
ترقد الفلسطينية مي أبو عرار (7 سنوات) بجسدها النحيل ووجهها الشاحب الذي فقد ملامح الطفولة، على سرير في مستشفى ناصر بخان يونس، بعد أن أرهقها التجويع الإسرائيلي المستمر، الذي يتزامن مع حرب الإبادة الجماعية التي تشنها تل أبيب على القطاع منذ عامين.
الحصار الإسرائيلي لم يترك للطفلة سوى عظام بارزة وصراخات متقطعة على فراش المستشفى، حيث حولت ابتسامتها البريئة وشعرها الكثيف إلى ذكريات بعيدة، وجعلت طفولتها أسيرة للمرض والحرمان.
في 22 أغسطس/ آب 2025، أعلنت المبادرة العالمية للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي عن حالة المجاعة في مدينة غزة، وتوقعت أن تمتد إلى محافظتي دير البلح وخان يونس.
التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) هو مبادرة دولية تهدف إلى تحليل أوضاع الأمن الغذائي والتغذية، وتضم 21 منظمة بارزة، منها منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمات الأمم المتحدة للأطفال (يونيسف)، والصحة العالمية، وأوكسفام، وأنقذوا الأطفال.
الحصار الإسرائيلي المفروض على الفلسطينيين في قطاع غزة أدى إلى تفشي مجاعة غير مسبوقة، أودت بحياة 422 شخصًا، بينهم 147 طفلًا، رغم المناشدات العديدة بضرورة إنهاء الحصار وفتح المعابر لإدخال المساعدات بشكل عاجل.
كانت وردة
قبل بدء الإبادة الإسرائيلية، كانت مي طفلة مليئة بالحياة، بوجه مشرق وشعر كثيف وابتسامة بريئة، كما تصفها والدتها نادية أبو عرار، التي عرضت صورتها عبر هاتفها المحمول للأناضول.
لكن مع الحصار الإسرائيلي ومنع إدخال الغذاء والدواء إلى غزة، أصيبت مي بسوء تغذية حاد، فتساقط شعرها وانخفض وزنها من 22 كيلوغرامًا إلى 12 كيلوغرامًا فقط، قبل أن تفقد القدرة على المشي بعدما عجز جسدها النحيل عن حملها.
لم تقتصر معاناة مي على الجوع، بل امتدت إلى النزوح المتكرر، فبعد علاجها في مستشفى الرنتيسي للأطفال بمدينة غزة، اضطرت عائلتها للنزوح إلى مستشفى ناصر بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية التي ضيقت الخناق على المدينة.
الجيش الإسرائيلي يواصل تصعيده على مدينة غزة منذ 11 أغسطس الماضي، في عملية أطلق عليها اسم عربات جدعون 2، والتي تضمنت نسف منازل باستخدام روبوتات مفخخة، وقصف مدفعي، وإطلاق نار عشوائي، وتهجير قسري، وتوغل بري.
الحكومة الإسرائيلية أقرت في 8 أغسطس الماضي خطة طرحها رئيسها بنيامين نتنياهو، لاحتلال قطاع غزة بالكامل تدريجيًا، بدءًا من مدينة غزة، التي يسكنها نحو مليون فلسطيني، أغلبهم نازحون.
تقول والدة الطفلة إن ابنتها لم تكن تعاني من أي أمراض قبل الإبادة الإسرائيلية، لكن إغلاق تل أبيب للمعابر ومنع دخول الغذاء والدواء فاقم وضعها الصحي.
أضافت: كان وزنها 20 كيلوغرامًا قبل الإبادة، وكانت مثل الوردة، أما الآن فقد وصل إلى 12 كيلوغرامًا فقط بسبب سوء التغذية.
وأوضحت الأم أن وضع طفلتها يزداد سوءًا يومًا بعد يوم، مع استمرار نقص الغذاء والدواء، مشيرة إلى أن العائلة تعيش على طعام الجمعيات الخيرية والمياه، وأحيانًا عبوات حليب إن توفرت.
أضافت: حين لا تتوفر مساعدات، لا نجد ما نأكله ونبيت جائعين.
أعربت عن خشيتها من موت طفلتها، متمنية نقلها للعلاج خارج غزة في ظل انهيار المنظومة الصحية، وإغلاق الجانب الفلسطيني من معبر رفح البري من قبل الجيش الإسرائيلي، الذي سيطر عليه منذ مايو/ أيار 2024، ومنع خروج المرضى والجرحى للعلاج.
انهيار المنظومة الصحية
أكد عاهد خلف، اختصاصي طب الأطفال في مستشفى ناصر، أن مي تعاني من سوء تغذية نتيجة الحصار الإسرائيلي.
أضاف الطبيب المشرف على مي للأناضول، أنها تعاني من تورم القدمين، ونقص البروتين في الدم، وفقدان القدرة على الحركة بسبب ضمور العضلات وغياب الطبقات الدهنية تحت الجلد، إضافة إلى تقرحات وتساقط الشعر.