تتميز أعمال الشعراء العالميين بمكانتها الإبداعية، إلا أن بعض النصوص لم تُترجم إلى العربية رغم تأثيرها الكبير. فالشاعر زبيغنيف هربرت، الذي يعد من أبرز أعمدة الحركة الشعرية البولندية، تظل نصوصه أسيرة اللغة الأصلية حتى عام 2022، حينما ترجم هاتف جنابي أعماله إلى العربية من خلال كتاب "أشعار زبيغنيف هربرت". وقد لاقى هذا الكتاب اهتمامًا كبيرًا نظرًا لأهمية أفكار هربرت ومواقفه الأدبية والفكرية التي تتجاوز حدود الشعر.
أداة للتعبير عن الغضب
وأوضحت مقدمة الكتاب التي أعدتها دار "روايات" الخصائص الأدبية لهربرت، مشيرة إلى أنه لم يحقق شاعر بولندي آخر توافقًا بين النقاد والقراء كما فعل هربرت. يعتبر الشاعر أن الشعر هو وسيلة للتعبير عن الغضب والتأمل، ويعكس قوة خفية تساعد على مواجهة المعاناة. تتناول نصوصه موضوعات متعددة منها العلاقة بين الفرد والأنظمة الشمولية، بالإضافة إلى مشاعر الخوف والانكسار، مما يجعل شعره متنوعًا وغنيًا بالمعاني.
وأبرزت مقدمة الكتاب كيف أن هربرت، بجانب كونه شاعرًا، يتمتع بخلفية فلسفية عميقة، حيث يوازن بين مقاطع شعره ويعبر عن قيم إنسانية كالأخلاق والجمال. فنصوصه ليست مجرد تعبير عن المقاومة، بل هي دعوة إلى عالم أفضل خالٍ من الصراعات، ما يجعل أفكاره تبقى قريبة من القارئ وتترك أثرًا عميقًا.
عوالم شعرية حالمة
وأثبت هربرت قدرته على دمج النقد والهجاء مع جماليات الشعر، حيث ينجح في تقديم أفكار عميقة بأشكال شعرية رقيقة. يعكس شعره الأمل والجمال من خلال تجارب قاسية، ويستند إلى تاريخ طويل من المعاناة. يتناول قضايا إنسانية متعددة، ويخلق مشاهد شعرية مؤثرة، مما يجعل قراءته تجربة فكرية وروحية.
وأظهر هربرت براعة في استخدام الرموز والصور الشعرية، حيث يعبر عن مشاعر الأفراد في ظل الأزمات، ويبرز اللحظات الإنسانية بشكل عميق. من خلال نصوصه، يسعى إلى الوصول إلى جوهر الإنسان ويجعل القارئ يتفاعل مع الكلمات بشكل مباشر، مما يظهر موهبته في استحضار الجمال حتى في أقسى الظروف.
صور من المأساة الإنسانية
وأفصح هربرت عن قدرته الفائقة على رسم صور شعرية تبرز المعاناة الإنسانية، حيث يتجول القارئ في نصوصه بين دمار المدن والمآسي التي تعرض لها الأفراد. فهو يرسم مواقف مأساوية بشكل فني، مما يعكس صراعه الشخصي مع الظلم. مثال على ذلك، مقاطع شعرية تصف لحظات الموت والفقد، مما يجعل القارئ يتأمل في عمق المعاناة.
وأبرز الكتاب أيضًا حوارًا أجري مع هربرت، حيث أشار إلى أن السياسة ليست سوى وسيلة للوصول إلى أهداف معينة، موضحًا أن شعوره بالظلم يدفعه للرد العنيف أحيانًا. وهذا ما يجعل شعره يمتزج بين الرقة السياسية والعمق الإنساني، حيث يترك أثرًا دائمًا في نفوس القراء.
وتجدر الإشارة إلى أن زبيغنيف هربرت، الذي وُلد عام 1924 وتوفي عام 1998، يعد من أبرز الأدباء الذين تركوا بصمة في الأدب العالمي. فقد تمكن من تحقيق شهرة واسعة بفضل أعماله التي تُرجمت إلى أكثر من 38 لغة. ويُعتبر هربرت مثالاً حيًا على كيفية استخدام الشعر كوسيلة لمواجهة الظلم والتعبير عن القضايا الإنسانية.