2025-10-16 - الخميس

هل يمكن للرجال أن يُصابوا بتسمم الحمل؟

{title}

د. محمد حسان الذنيبات - استشاري أمراض وزراعة الكلى وضغط الدم

قدّمتُ قبل سنوات في كندا محاضرة بهذا العنوان “Can a Man Get Preeclampsia?” وامتلأت القاعة بدافع الفضول من العنوان! وكأنهم توقعوا أن اتحدث عن امكانية حمل الرجال (كما ظن بعضكم !)

لكن المفاجأة أن الحديث كان عن تشابه مذهل بين تسمم الحمل وبعض الحالات التي نراها عند الرجال ممن يتلقون علاجاً لأورام معينة باستخدام أدوية مثبطة لعامل النمو الوعائي (VEGF inhibitors)

تلك الأدوية تؤدي إلى اضطرابات في الأوعية الدقيقة داخل الكلية، وتُحدث تغيرات نسيجية تشبه ما نراه في خزعات النساء المصابات بتسمم الحمل من تضيق الأوعية وتلف الكبيبات، وتسرب البروتين.

بمعنى آخر، العلاقة بين المشيمة والكلية في المرأة الحامل تشبه العلاقة بين الأدوية الوعائية والكلية عند المريض الذي يستخدم هذا العلاج وكلاهما يختبر قدرة الأوعية الدقيقة على التكيّف والبقاء في حالة توازن دقيق.

والحقيقة التي حاولت ايصالها وقتها أن الحمل ليس مجرد مرحلة بيولوجية، بل اختبار جهد فيزيولوجي لأجهزة مختلفة في جسم المرأة وعلى رأسها الكلية. ففي هذه الفترة القصيرة، يتضاعف الجهد الكُلوي ليتعامل مع متطلبات الأم والجنين معاً, حيث يزداد حجم الدم، ويرتفع معدل الترشيح الكبيبي (GFR)، وتتوسع الأوعية الكلوية لتأمين التوازن الدقيق بين الإرواء والتنقية.

هذا “الاختبار” لا يمر بسلام دائماً وأحياناً يُظهر الحمل ضعفاً كامناً في وظيفة الكلية أو في تفاعلها مع التغيرات الهرمونية والوعائية، فتبدأ العلامات بالظهور مثل ارتفاع ضغط الدم، تهريب الزلال في البول، أو تطور حالة تُعرف بـ تسمم الحمل Preeclampsia وهي من أكثر الظواهر غموضاً وتعقيداً في الطب.

وعلى أي حال يُعد توقيت ارتفاع الضغط علامة مهمة, فظهوره في النصف الأول من الحمل غالباً يشير إلى مرض كلوي أو ارتفاع ضغط مزمن سابق أما ظهوره في النصف الثاني من الحمل فهو يرتبط عادةً باضطرابات المشيمة وتسمم الحمل، حيث يؤدي الخلل في الإشارات الوعائية بين الأم والمشيمة إلى تضيق الأوعية الدقيقة في الكلية وظهور الزلال.

ولهذا السبب، فكل امرأة تطوّر ارتفاع ضغط أو زلالًا أثناء الحمل تحتاج بعد الولادة إلى تقييم دقيق لوظيفة الكلية، وأحياناً إلى خزعة لتحديد ما إذا كانت الحالة عابرة أم بداية لمرض كلوي مزمن يمكن تحدثده و تحديد علاج له.