في ظل أزمة مالية خانقة وتفاقم المديونية الخارجية التي تجاوزت 40 مليار دولار، تتجه تونس نحو تعزيز مواردها وتحفيز النمو الاقتصادي عبر قطاع السياحة، الذي يمثل بين 7 و8% من الناتج المحلي الإجمالي، ليصبح رافعة أساسية في مواجهة التحديات الاقتصادية الراهنة.
ويظهر البنك المركزي التونسي توقعات بنمو الاقتصاد بنسبة 3.2% خلال عام 2025، على الرغم من ارتفاع نسبة الدين العمومي إلى 81.2% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024، موزعة بين 54% دين داخلي و46% خارجي، ما يفرض على الحكومة التركيز على القطاعات المدرة للعملة الصعبة، وعلى رأسها السياحة، لضمان استقرار الاقتصاد الوطني.
وأظهرت بيانات النصف الأول من 2025 ارتفاعًا غير مسبوق في عدد السياح الوافدين، ما أعاد الأمل في استعادة قدرة هذا القطاع الحيوي على توفير العملة الصعبة ودعم سوق العمل. ويستفيد هذا الزخم من تنوع المقاصد التونسية، من شواطئ الحمامات إلى آثار قرطاج وأسواق القيروان ومنتجعاتها العلاجية، مما يمنح البلاد ميزة تنافسية في الأسواق العالمية.
وكشف البنك المركزي عن أن إجمالي عائدات السياحة وتحويلات العاملين بالخارج حتى 10 سبتمبر الجاري بلغ نحو 11.8 مليار دينار (4.07 مليار دولار)، أي ما يعادل 120% من إجمالي خدمة الدين الخارجي، مع ارتفاع عائدات السياحة بنسبة 8.7% على أساس سنوي لتصل إلى 5.7 مليار دينار (1.97 مليار دولار). وفي المقابل، تراجعت خدمة الدين الخارجي بنسبة 4.3% لتصل إلى 9.8 مليار دينار، مقارنة بعام 2024.
وخلال النصف الأول من العام، ارتفع عدد الزوار الأجانب بنسبة 9.8% ليصل إلى 5.3 مليون سائح، مع توقعات ببلوغ الإيرادات 2.5 مليار دولار في 2025، مدعومة بمبادرات لتطوير المدن السياحية مثل جربة والمنستير. وتمثل الأسواق الأوروبية أبرز الموردين للسياحة، مع زيادة كبيرة في عدد الزوار البريطانيين بنسبة 48%، إضافة إلى زيارات متنامية من روسيا والشرق الأوسط.
وتُصنف تونس ضمن أفضل 25 وجهة سياحية عالمية لعام 2025 بحسب مجلة ناشيونال جيوغرافيك، مستفيدة من ثروتها الثقافية والجغرافية، بما في ذلك 8 مواقع تراث عالمي معترف بها من اليونسكو، مثل آثار قرطاج ومدينة تونس العتيقة، فضلاً عن الشواطئ الرملية في جربة التي تستقطب نحو 1.5 مليون زائر سنويًا.
ويؤكد الخبير السياحي لطفي الكبير أن تنوع الموارد السياحية، من شواطئ وآثار إلى منتجعات علاجية، يمنح تونس ميزة تنافسية في منطقة البحر المتوسط. ويشير إلى أن السياحة الشاطئية تتصدر القطاعات، بنسبة 70% من الإيرادات، مع استثمارات بقيمة 300 مليون دولار في تطوير البنية التحتية الساحلية خلال 2025. أما السياحة الثقافية، فتساهم بنسبة 20% من الزوار، بينما تشهد السياحة العلاجية نموًا سنويًا بنسبة 15%، مستفيدة من أسعار منخفضة وخدمات متخصصة مقارنة بأوروبا.
وتُعد السياحة أيضًا ورقة أساسية لمواجهة عبء الدين العام، مع توقع سداد أقساط تصل إلى 5.7 مليار دولار في 2025. وتشير التحليلات إلى أن التحول نحو السياحة الثقافية والطبيعية يمكن أن يعزز الإيرادات بنسبة 15-20%، بما يدعم الميزانية الوطنية ويخفف من الضغط المالي.
وللحفاظ على النمو السياحي المستدام، توصي الخبراء بالاستثمار في البنية التحتية الخضراء بمبلغ 500 مليون دولار، وتوسيع الشراكات مع اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية لجذب السياح من إفريقيا، وتدريب الشباب في الشركات الصغيرة والمتوسطة لخلق نحو 100 ألف وظيفة سياحية جديدة.
كما تؤكد الخبيرة الاقتصادية فاطمة بن علي على أهمية الرقمنة لتعزيز التسويق السياحي واستهداف أسواق جديدة، بما في ذلك السياحة الرقمية، وتحليل سلوكيات الزوار لتقديم عروض مخصصة، وتحسين تجربة السياح المحليين والدوليين على حد سواء، بما يسهم في تعزيز عوائد القطاع واستدامة مساهمته في الاقتصاد التونسي.