تحولت عملية جراحية عادية تهدف إلى إزالة الأكياس وتعديل الحاجز الأنفي إلى تجربة مؤلمة، كادت أن تودي بحياة مريض بسبب خطأ غير مقصود من الجراح الذي أحدث ثقباً في قاعدة جمجمته.
لم تكن صدمة المريض في الخطأ بحد ذاته، بل في تصرفات الطبيب (المدعى عليه الأول) الذي استمر في التصرف بإهمال ولامبالاة رغم شكوكه بحدوث اختلاط أثناء الجراحة، وذلك وفقاً لتقرير لجنة المسؤولية الطبية في هيئة الصحة في دبي. ترك المريض يغادر المستشفى ليعاني من مضاعفات خطيرة انتهت بإصابته بالتهاب الغشاء السحائي.
اضطر المريض للجوء إلى القضاء للحصول على حقه، حيث قضت المحكمة المدنية الابتدائية في دبي بإلزام الجراح والمنشأة الطبية (الخصم المدخل) بالتضامن بسداد مبلغ 150 ألف درهم تعويضاً عن الأضرار التي لحقت به.
تفصيلاً، أقام شخص من جنسية عربية دعوى قضائية طالب فيها بتعويض قدره ثلاثة ملايين درهم، بالإضافة إلى الفائدة القانونية والرسوم. وأوضح في بيان دعواه أنه دخل لإجراء جراحة عادية، لكن العملية استغرقت ثلاث ساعات بدلاً من ساعة ونصف كما هو مقرر. وظهرت الأعراض الجانبية فور خروجه، متمثلة في صداع مستمر وحساسية شديدة من الضوء.
بعد ثلاثة أيام فقط، تدهورت حالته الصحية بشكل مفاجئ، وتم تشخيصه في الطوارئ بالتهاب الغشاء السحائي، وأظهرت الأشعة وجود "كتلة سوداء في المخ" نتيجة الثقب في الجمجمة.
لاحظ المريض في الأيام التالية نزول سائل دماغي شوكي من أنفه، وأكد له استشاري متخصص أن الثقب في قاعدة الجمجمة هو نتيجة الخطأ في العملية الأولية، مما دفعه لتقديم شكوى إلى هيئة الصحة التي أحالت الموضوع بدورها إلى لجنة المسؤولية الطبية.
انتهت اللجنة في تقريرها إلى أن "الجراح ارتكب خطأً بنسبة 100%، ولم يكتف بذلك، بل إن المفارقة أنه كان يشك في حدوث سيلان للسائل الدماغي الشوكي أثناء الجراحة، لذا وصف للمريض دواء بعينه بعد العملية لا يُعطى إلا في حالة الشك بحدوث هذا الاختلاط الخطير، ومع ذلك لم يلتزم بالإجراءات الطبية الطارئة اللازمة في هذه الحالة، وهي إبقاء المريض لفترة أطول في المستشفى للمراقبة، والتعامل مع شكواه بجدية، واستشارة أطباء الأعصاب أو التخدير".
اعتبرت اللجنة أن "هذا السلوك يمثل إهمالاً وعدم اتباع للحيطة والحذر"، و"لامبالاة"، مما أدى إلى "تفاقم حالة المريض وإصابته بأضرار تمثلت في صداع شديد وهلوسات سمعية وبصرية، وإصابته بخراج في المخ، ودخوله إلى العناية المركزة".
بعد نظر الدعوى وتقارير جهة الاختصاص، أوضحت المحكمة في حيثيات حكمها أن "الخطأ الطبي وفق المقرر قانوناً هو ما يرتكبه مزاول المهنة نتيجة جهله بالأمور الفنية المفترض الإلمام بها، وعدم اتباعه الأصول المهنية والطبية المتعارف عليها، أو عدم بذل العناية اللازمة، والإهمال وعدم اتباع الحيطة والحذر".
استندت المحكمة في حكمها إلى مبدأ المسؤولية الطبية، وخلصت إلى ثبوت الخطأ الموجب للمسؤولية على الجراح، كما طبقت المحكمة قاعدة مسؤولية التابع والمتبوع، فألزمت المنشأة الطبية (الخصم المدخل) بسداد التعويض بالتضامن مع الطبيب، لأن العلاقة بينهما هي التي هيأت للطبيب فرصة ارتكاب الفعل الضار.
قضت المحكمة بإلزام المدعى عليه الأول (الطبيب) والخصم المدخل (المستشفى) بالتضامن بسداد 150 ألف درهم تعويضاً للمريض، مؤكدة أن المبلغ يغطي الأضرار المادية والأدبية التي عانى منها، وتمثلت في إصابته بصداع شديد امتد إلى الرقبة، وهلوسات سمعية وبصرية، بعد أن أصيب بالتهاب السحايا، وتشكل خراجة داخل القحف، مما تسبب في دخوله إلى قسم العناية المشددة والبقاء فيه لأيام، إضافة إلى اضطراره لمراجعة العيادات الخارجية والخضوع لبرنامج دوائي مدته أربعة أسابيع.
أكدت المحكمة أنه "مما لا شك فيه أنه أصيب بالخوف بعدما أظهرت الأشعة وجود كتلة سوداء في المخ نتيجة ثقب في الجمجمة، وأن السائل الذي ينزف من أنفه هو سائل دماغي شوكي، فضلاً عن إحساسه بحالة من التوتر خلال فترة انتظار نتيجة الأشعة لمعرفة ما إذا كان الثقب عبارة عن خراج أو ورم في المخ، وهو ما يستحق معه التعويض المادي والأدبي الذي قدرته المحكمة".