2025-10-12 - الأحد

أسعار الذهب: بين التقلبات الاقتصادية والطلب المتزايد

{title}

د. لويس حبيقة*

تعتبر أسعار السلع مرآةً تعكس الحاجة إليها والقيمة الاقتصادية التي تمثلها. في الفترة الأخيرة، شهد سعر أونصة الذهب ارتفاعاً ملحوظاً لم يسبق له مثيل. فهل يعكس هذا الارتفاع زيادة الحاجة له على مستوى العالم؟ في الأساس، يتأثر سعر الأونصة بالطلب، بينما يبقى العرض محدوداً. ولكن ما الذي يدفع الطلب نحو الذهب؟ الأوضاع السياسية والأمنية تلعب دوراً رئيسياً في هذا السياق. أهم الأحداث السياسية الراهنة تشمل حرب غزة وما تحمله من تداعيات سياسية وإنسانية، وكذلك الصراع في أوكرانيا الذي يحمل مخاطر جيوسياسية على الصعيدين الأوروبي والدولي. مع التقلبات المستمرة في السياسات الأمريكية، تتزايد حالة القلق بين المستثمرين حول العالم، مما يؤدي إلى عدم وضوح فرص الاستثمار المناسبة. كل هذه العوامل تسهم في ارتفاع سعر الذهب.

يمر كل اقتصاد بمراحل مختلفة من الازدهار والتباطؤ، والمعروفة بالدورة الاقتصادية. هذه المراحل قد تختلف من حيث الطول أو القصر بناءً على الظروف الداخلية والخارجية للاقتصاد. القلق الناتج عن انتقال الاقتصاد من مرحلة إلى أخرى يدفع الأفراد والشركات إلى البحث عن وسائل لحماية أنفسهم من تداعيات الأزمات الاقتصادية. وقد لعب الذهب على مر العصور دور الملجأ الذي يلجأ إليه المستثمرون. فقد أدخل الناس المعدن الأصفر بأشكاله المختلفة إلى منازلهم كنوع من الادخار لمواجهة الأوقات الصعبة. كما قامت الدول بشراء الذهب ليصبح احتياطيًا نقديًا رئيسيًا يدعم قيمة عملاتها الوطنية.

النظام النقدي الذي كان سائداً في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ربط سعر صرف العملات بكمية ثابتة من الذهب، مما منح المعدن الأصفر دورًا نقديًا بارزًا. بعد الحرب العالمية الثانية، أنشأ مؤتمر بريتون وودز نظامًا ربط الدولار الأمريكي بالذهب بسعر صرف ثابت، مما أدى إلى استقرار الأسعار لفترة طويلة وشجع الجميع على اقتناء الذهب. ومع ذلك، سقط نظام بريتون وودز بسبب ضعف الدولار، مما دفع الكثيرين لتبديل الدولار بالذهب عبر المصرف المركزي الأمريكي. تاريخياً، لم يستطع الذهب الحفاظ على قيمته الاسمية، مما يثير التساؤلات حول كيفية الحفاظ على سعره الحقيقي، خاصة وأنه لا يولد دخلاً لأصحابه. دراسة حديثة أجراها المصرف المركزي الأمريكي تناولت جدوى الاستثمار في الذهب وشجعت البنوك المركزية على بيع جزء من احتياطياتها الذهبية.

ماذا يمكن أن تفعل الدول في هذا السياق؟ الدول الصناعية التي تمتلك مؤسسات قوية وإدارات فعالة يمكنها الإشراف على عمليات تسييل الذهب والاستفادة منه. أما الدول النامية، فمعظمها يفتقر إلى إدارة فعالة وشفافة، مما يستدعي منها توخي الحذر قبل تسييل احتياطياتها الذهبية لتفادي الإنفاق والهدر. لذا، يبقى الذهب كملاذ آمن في الدول النامية، بغض النظر عن تقلبات أسعار الأونصة، مما يجعله الخيار الأمثل بالنسبة لأوضاعها الاقتصادية والإدارية.

فيما يتعلق بالاستثمار الفردي، يُفضل تنويع الأصول بين النقد والمعادن والأدوات المالية والعقارات كوسيلة لحماية النفس، وليس بالضرورة لتحقيق أرباح كبيرة قد تكون غير متاحة.

* كاتب لبناني