2025-10-12 - الأحد

تحديات الاقتصاد الأمريكي: نمو مستمر مع تراجع فرص العمل

{title}

مايك دولان*

مع اقتراب نهاية عام 2025 الذي اتسم بعدم الاستقرار، يواجه الاقتصاد الأمريكي حالة من التناقض الغريب. حيث يشهد نموًا يقترب من 4% في الناتج المحلي الإجمالي، بينما يعاني من نقص حاد في خلق فرص العمل. وعلى الرغم من أن هذا التناقض قد يبدو غير منطقي في الوهلة الأولى، إلا أنه يتضمن قصة معقدة تتعلق بالذكاء الاصطناعي والاستثمار المكثف في التكنولوجيا.
بعد أن تأثرت الأسواق الأمريكية بشكل كبير في إبريل/نيسان بسبب خطط الرئيس دونالد ترامب الجمركية الجديدة، استطاعت تلك الأسواق أن تتعافى بسرعة غير مسبوقة. إذ زاد مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 33% من أدنى مستوياته. في الوقت ذاته، شهدت الشركات زيادة ملحوظة في الإنفاق الاستثماري، في الوقت الذي استأنف فيه مجلس الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة حتى خلال أسوأ الظروف المالية منذ ما يقرب من أربع سنوات. لكن هذه المرة لم يكن ذلك دعمًا للنمو، بل كان ناتجًا عن مخاوف من انهيار سوق العمل.
على الرغم من الطفرة في الإنفاق الرأسمالي، تراجعت وتيرة خلق الوظائف بشكل ملحوظ، حيث أضاف الاقتصاد الأمريكي خلال الأشهر الثلاثة حتى أغسطس/آب نحو 29 ألف وظيفة شهريًا فقط، مقارنة بـ82 ألف وظيفة خلال الفترة نفسها من عام 2024. تشير بعض المؤشرات إلى أن سوق العمل قد يدخل في حالة من الركود، بينما تواصل أسواق الأسهم والسندات تجاهل هذا الخطر، حتى وإن أبدى مسؤولو الفيدرالي قلقهم.
أشار الاقتصادي داريو بيركنز من مؤسسة «تي إس لومبارد» إلى مؤشر مقلق للبنك المركزي الأمريكي، وهو أن نمو الوظائف الأساسية (باستثناء الحكومة والرعاية الصحية) توقف تقريبا على مدار ستة أشهر. ومن المثير للقلق أن جميع القراءات السلبية التاريخية لهذا المقياس كانت تسبقها ركود اقتصادي.
التناقض الأكبر يكمن في أن الإنفاق الاستثماري قد ارتفع بنسبة 11% في النصف الأول من العام، ويبدو أنه مستمر في الزيادة خلال الربع الثالث. والسؤال المطروح هو: لماذا لا يترجم ذلك إلى وظائف جديدة؟
توجد روايتان متضاربتان حول هذا الأمر. الرواية المتفائلة تشير إلى أن الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة سمحت للشركات بتحقيق مكاسب إنتاجية كبيرة دون الحاجة إلى توظيف كبير. ومع تراجع الهجرة وعمليات الترحيل، انخفض الحد الأدنى من الوظائف المطلوبة لضمان استقرار معدل البطالة إلى أقل من 50 ألف وظيفة شهريًا. ولهذا، يعتقد بعض الاقتصاديين أن تقرير الرواتب الشهري قد يتحول قريبًا إلى سلبي دون أن يثير قلق الأسواق المالية.
بينما ترى الرواية المتشائمة، وفقًا لتوقعات «جيه بي مورغان»، أن الطفرة في الإنفاق الرأسمالي ليست سوى موجة ضيقة تستفيد منها شركات التقنية والذكاء الاصطناعي، وأنها ستتلاشى قريبًا. ويرى هؤلاء أن التباطؤ في التوظيف يعكس حذرًا عامًا من قطاع الأعمال تجاه المستقبل. إذا صحت هذه التوقعات، فقد يتأثر إنفاق الأسر سلبًا مع تراجع القوة الشرائية، خاصة مع ضغوط الرسوم الجمركية وارتفاع الدولار.
على الرغم من ذلك، لا يبدو أن المستثمرين يبدون قلقًا كبيرًا، حيث يراهنون على تدخل سريع من الفيدرالي بخفض الفائدة لمواجهة أي ضعف في سوق العمل. وهذا ما يفسر الارتفاع الكبير لأسهم شركات التقنية، التي ارتفعت قيمتها بنحو 60% منذ بداية العام.
تشير التقارير إلى أن هذه الشركات تخطط لاستثمار أكثر من 400 مليار دولار في البنية التحتية والذكاء الاصطناعي، بما في ذلك بناء مراكز بيانات ضخمة. ومع ذلك، قد لا يقدم هذا الإنفاق إجابة شافية حول لغز كيفية استمرار الاقتصاد في النمو بينما تتلاشى فرص العمل.
من غير المرجح أن يحمل الربع الأخير من عام 2025 إجابة واضحة، خاصة مع الإغلاق الحكومي الجديد الذي قد يؤخر نشر بيانات التوظيف، بينما ستبقى الأنظار مشدودة نحو موسم الأرباح المقبل لمعرفة ما إذا كان الاستثمار في الذكاء الاصطناعي سيستمر بنفس القوة.
هل نشهد ظهور نموذج اقتصادي جديد، حيث تنمو الشركات بفضل التكنولوجيا فيما يُترك الإنسان على الهامش؟ أم نحن أمام فقاعة مؤقتة قد تنفجر وتعيدنا إلى دورة الركود التقليدي؟
* محرر الأسواق المالية في «رويترز»