في عصر الشاشات، أصبح التعامل مع الأجهزة الذكية جزءاً من روتيننا اليومي، حيث نبدأ يومنا بفتح الحاسوب، ثم ننتقل إلى الهاتف، قبل أن نختتم اليوم بقراءة على جهاز لوحي. لكن ما يبدو كروتين عادي يحمل آثاراً كبيرة على صحتنا الحيوية. يعتمد جسم الإنسان بشكل أساسي على تدرج الضوء والظلام لتنظيم إفراز هرمون الميلاتونين، الذي يعد أساسياً لتهيئة الجسم للنوم.
عندما نتعرض لضوء أزرق كثيف من الشاشات أو المصابيح البيضاء الساطعة في الليل، فإننا نرسل إشارة مضللة لجسمنا تُخبره بأن الوقت لا يزال نهاراً. هذا الأمر يسبب تأخير النعاس ويقلل من جودة النوم، حتى وإن كان وقت النوم ثابتاً. توضح دراسة من مدرسة طب هارفارد أن الضوء بشكل عام يثبط من إنتاج الميلاتونين، لكن الضوء الأزرق له تأثير أقوى. في تجربة أُجريت، وُجد أن التعرض للضوء الأزرق لمدة 6.5 ساعة كان له تأثير مضاعف على تثبيط الميلاتونين مقارنةً بنفس المقدار من الضوء الأخضر، مما يعني أن الضوء الأزرق يغير الساعة البيولوجية لجسم الإنسان بشكل أكبر.
هذا ليس مجرد بيانات علمية؛ بل هو تفسير للعديد من التجارب الشخصية حيث يشعر الناس أن القراءة على شاشة مضيئة قبل النوم تجعلهم أكثر يقظة وأقل ميلاً للنوم، بل وقد توقظهم خلال الليل. ومع ذلك، لا يُعتبر التعرض للشاشات في حد ذاته شيئاً سيئاً. فالتعرض لضوء النهار الغني بالأزرق في الصباح يمكن أن يكون له فوائد في زيادة اليقظة وتنظيم الإيقاع اليومي.
المشكلة تكمن في توقيت التعرض للضوء الأزرق في المساء، لذا فإن الحل لا يكمن في تجنب اللون الأزرق تماماً، بل في إدارة توقيته وشدته. يمكن أن يكون خفض سطوع الشاشة وتفعيل وضع الإضاءة الليلية، وهي خاصية متوفرة في معظم الهواتف الحديثة، خطوات فعالة. ومع ذلك، تبقى أفضل الحلول هي إطفاء الشاشة مبكراً.
عندما أبحرت في موضوع الضوء الأزرق، أدركت أن تدهور جودة نومنا ليس مجرد صدفة، بل هو نتيجة لاختلاف الإشارات المسائية عن تلك التي اعتادت عليها أجسادنا عبر آلاف السنين. في الماضي، كان غروب الشمس يمثل بداية الهدوء والسكينة. ليس المطلوب هو التخلص من الشاشات تماماً، بل يجب خلق بيئة مسائية تتحدث بلغة الجسم، مع ضوء أقل وأدفأ، ومحتوى أكثر هدوءاً، وتدرج واضح نحو العتمة. من خلال إعادة ترتيب الضوء في يومنا، يمكننا استعادة جودة نومنا المفقودة، مما يؤدي إلى نعاس يأتي في وقته ونوم أكثر عمقاً وصباح أقل ضبابية.