2025-10-12 - الأحد

توسيع الأفق: كيف يختلف تقييمنا للمحتوى بين الأفراد

{title}

دائماً ما نميل إلى الحكم على الأشياء من زاويتنا الخاصة، وكأن رؤيتنا هي المقياس الوحيد للحقيقة. نرى المواقف والأفكار والمحتوى من خلال تجربتنا الشخصية، فنعتبر ما لا يلامسنا تافهاً، وما يفيدنا مهماً. لكن الواقع أوسع بكثير مما نتصور. فما تراه أنت بلا قيمة قد يكون عند غيرك سبباً للضحك أو وسيلة لتخفيف تعب يوم أو مساحة يجد فيها راحته النفسية. تجربتي مع أحد الأصدقاء كانت درساً بسيطاً لكنه عميق، حيث رأيته يتابع مشهوراً لم أقتنع يوماً بما يقدمه. فقلت له باستغراب: كيف تتابعه؟ هذا المحتوى بالنسبة لي بلا فائدة. ابتسم وقال: "أنا أجد فيه ما ينفعني". أحياناً يضحكني، وأحياناً يعطيني فكرة تغيّر مزاجي. عندها أدركت أن الذوق والاختيار مساحتان شخصيتان لا يحق لأحد أن يضيقهما على غيره. وما لا يعنيني اليوم قد يكون مهماً لشخص يعيش تجربة مختلفة عني.

القيمة إذاً ليست ثابتة، بل تتشكل بحسب الزاوية التي ننظر منها وبحسب الحاجة التي نبحث عنها في تلك اللحظة. مثل البحر، هناك من يراه مكاناً للراحة، وهناك من يراه مصدر رزق، وآخر يراه خطراً يجب الحذر منه. البحر واحد، لكن المعنى يتغير من شخص لآخر. الكثير من أحكامنا في الحياة تأتي من ضيق العدسة، نعتقد أن ما لا يفيدنا لا يمكن أن يفيد غيرنا، فنطلق أحكامنا بسرعة ونتعامل مع الآخرين وكأنهم يجب أن يشبهونا في الذوق والتفكير. بينما المطلوب أن نوسع الزاوية وأن نفهم أن للناس احتياجات وتجارب مختلفة عنا.

هذا لا يعني أن كل ما يقدم في الحياة له قيمة، فهناك فعلاً محتوى هابط أو ضار لا يقدم فائدة حقيقية. لكن الفرق أن نرفضه بوعي لأنه مضر فعلاً، لا لمجرد أنه لا يناسبنا أو لا يعجبنا. لأن ما لا يضيف لي شيئاً قد يضيف لغيري معنى أو شيئاً يحتاج إليه. حين نفهم هذه الفكرة نصبح أكثر هدوءاً وأقل انتقاداً. فبدل أن نسأل كيف يتابعون هذا؟ ربما الأفضل أن نسأل ماذا يجدون فيه؟ هذه الطريقة تجعلنا نفهم الناس أكثر، وتفتح أمامنا نوافذ جديدة لرؤية الحياة من زوايا لم ننتبه إليها من قبل.

الحياة أوسع مما نتصور، والناس مختلفون في مشاعرهم وأذواقهم. وما نراه نحن تافهاً قد يكون عند غيرنا شيئاً مهماً أو مؤثراً أو منقذاً في لحظة من حياته. لذلك، قبل أن نحكم، لنتريّث قليلاً، ولنحاول أن ننظر من زوايا أخرى. فالتسامح مع اختلاف الأذواق لا يقلل من قيمتنا، بل يزيدنا نضجاً ويجعلنا أكثر إنسانية واتزاناً. في النهاية، وسع العدسة، ولا تختصر الناس في ذوقك الشخصي، فالعالم لا يرى من نافذة واحدة.