2025-10-12 - الأحد

الإبداع الشعري: كيف تحكم الرياضيات على الإيقاع العربي؟

{title}

تتجاوز مسألة النظر إلى اللغة كتكنولوجيا مجرد استحضار للبيئة العربية قبل الإسلام، إذ إن القضية تتطلب فهماً أعمق لمفهوم الإبداع وفقاً للتراث. تُعرف المعاجم العربية التقليدية الإبداع بأنه "الصنع على غير مثال"، مما يدعونا للتأمل في قدرة المجتمعات القديمة على الابتكار من دون وجود نماذج سابقة. فهل كان للعرب الجاهليين محفزات طبيعية تدفعهم للبحث العلمي وإبداع المفردات؟ من الواضح أن سعة اللغة العربية من حيث الجذور والاشتقاقات تشير إلى إنجازات فطرية في التعبير، دون الحاجة لأسس أكاديمية.
في هذا السياق، يبرز جانب آخر من النظر إلى اللغة كتكنولوجيا، وهو الإبداع في أوزان الشعر العربي، الذي يتطلب منا التعمق في الجانب العلمي للإيقاع. فالإيقاع، كما يعرف في علم الموسيقى، هو "تقسيم الزمن إلى وحدات"، حيث تمثل التفعيلة في الشعر العربي مقياساً للموسيقى. أوزان الشعر، مثل الطويل والبسيط والخفيف، تعكس تعقيداً مشابهاً لإيقاعات الموسيقى المركبة.
ما يثير الدهشة هو أن الإيقاعات الشعرية في اللغات القديمة مثل الآرامية والعبرية لا تمثل حتى 10% من ثراء الأوزان العربية. كيف استطاع العرب قبل الإسلام أن يبتكروا ستة عشر إيقاعاً قائمة على وحدات التفعيلات؟ فعلى سبيل المثال، كيف استمع العرب إلى إيقاع خيولهم ووزنوا عليها الكلام "فعِلنْ فعِلنْ فعِلنْ فعِلُ" وسموه الخبب؟ تشير هذه الظاهرة إلى أذن عربية فطرية قادرة على إدراك الموجات الصوتية وتردداتها.
يبدو أن التجربة الشعرية المرتبطة بالرياضيات قد تراجعت، مما يدفعنا للبحث عن أسباب هذا التراجع في العبقرية اللغوية وفقدان الإحساس بدقة رياضيات الموسيقى في الشعر. هل يشير هذا إلى تراجع في مجالات أخرى أيضاً؟