2025-12-11 - الخميس

العملات الرقمية.. هل نحن أمام فقاعة استثمارية جديدة شبيهة بـ"فقاعة التكنولوجيا"؟

{title}

الفقاعات الاستثمارية: السرديات والتقييمات المفرطة

تاريخ الاسواق المالية مليء بالفقاعات الاستثمارية حيث ترتفع قيمة اصل ما بشكل كبير مدفوعة بالتوقعات وليس بالقيمة الاساسية الحقيقية. الفقاعة تمر بمراحل تشمل الابتكار التكنولوجي، التضخم السردي، الهوس العام، واخيرا الانهيار. الفقاعات مثل فقاعة التوليب وفقاعة التكنولوجيا (الدوت كوم) تشترك في ان التقييمات تنفصل تماما عن الواقع الاقتصادي.

وقال الدكتور روبرت شيلر (Dr. Robert Shiller) الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل، ان الاصول مثل البيتكوين مدعومة بشكل اساسي بقوة السرديات. واكد ان هذه السرديات لديها قدرة مذهلة على خلق قيمة وهمية قبل ان تنهار. ونوه الى ان هذا ما رأيناه في فقاعات سابقة عديدة ومختلفة.

وبينت الدراسة العلمية الثانية المنشورة في مجلة The Quarterly Journal of Economics (2023)، ان هناك تشابها كبيرا في مقاييس التقييم العالية جدا بين اصول العملات الرقمية وشركات الانترنت التي انهارت في عام ٢٠٠٠. واشارت الى ان هذا يشير الى وجود مبالغة سعرية مدفوعة بالتوقعات وليس بالارباح الفعلية.

واضاف خبراء التمويل السلوكي ان الهوس بالعملات الرقمية اليوم يشبه تماما الهوس بأسهم شركات الانترنت في التسعينات. واكدوا ان المستثمرين يركزون على قصص النجاح السريعة ويتجاهلون المخاطر الهيكلية. ونوهوا الى ان الخوف من فوات الفرصة (FOMO) هو المحرك الرئيسي للفقاعة.

المحور الاول: العملات الرقمية كمضاربة نقية وتحدي القيمة الأساسية

الادعاء بان العملات الرقمية لا تملك قيمة اساسية حقيقية هو جوهر حجة الفقاعة. على عكس الاسهم التي تمثل حصة في شركة منتجة للايرادات او السندات التي تمثل دينا بفائدة، لا تولد العملات الرقمية تدفقات نقدية او ارباحا. قيمتها تعتمد كليا على استعداد مستثمر اخر للدفع بسعر اعلى في المستقبل. هذا يجعلها اداة مضاربة نقية.

وقال الدكتور نورييل روبيني (Dr. Nouriel Roubini) الاقتصادي وخبير الازمات المالية، ان العملات الرقمية هي الاساس لمجموعة كاملة من الانشطة الاجرامية والمخاطر النظامية. واكد انها فقاعة من اصول لا قيمة لها تُستخدم للمضاربة النقية. ونوه الى انها ليست اداة مالية حقيقية يمكن الوثوق بها.

واكدت الدراسة العلمية الاولى المنشورة في مجلة Journal of Financial Economics (2022)، ان تقلب اسواق العملات الرقمية يتجاوز بكثير تقلب الاصول التقليدية. وبينت الدراسة ان جزءا كبيرا من هذا التقلب يرجع الى عوامل المضاربة السلوكية. واشارت الى ان هذا يدل على غياب القيمة الاقتصادية الاساسية التي توازن السعر.

واشار خبراء التحليل المالي الى ان تحديد سعر عادل للعملات الرقمية يكاد يكون مستحيلا باستخدام نماذج التقييم التقليدية. وشددوا على ان غياب الايرادات يترك المستثمرين عرضة لتقلبات المزاج العام للسوق. واضافوا ان هذا يجعل العملة الرقمية الاصل الاكثر اعتمادا على السرديات والتضخيم الاعلامي.

المحور الثاني: الفصل بين البلوك تشين والأصول الرقمية المضاربية

تكمن المفارقة في ان التكنولوجيا الكامنة وراء العملات الرقمية وهي البلوك تشين هي تقنية مبتكرة ولها قيمة تطبيقية حقيقية. لكن النقاد يجادلون بان تقييمات العملات لا تعكس قيمة التكنولوجيا بل تعكس رغبة المضاربين. يشبه هذا تماما حالة شركات الدوت كوم التي انهارت بينما ظلت شبكة الانترنت نفسها هي الاساس لمشاريع عملاقة لاحقة.

وقال الدكتور غاريث نيرني (Dr. Gareth Nerney) المحلل المالي، ان على عكس فقاعة الدوت كوم التكنولوجيا الاساسية للعملات الرقمية (البلوك تشين) لها قيمة حقيقية وقابلة للتطبيق. واكد ان التحدي يكمن في الفصل بين القيمة التكنولوجية والتقييمات المضخمة للاصول المضاربية. ونوه الى ان السوق لا يفصل بينهما حاليا.

واكدت الدراسة العلمية الثانية المنشورة في مجلة The Quarterly Journal of Economics (2023)، ان معظم مشاريع العملات الرقمية التي تحظى بتقييمات عالية لا تزال في مراحل تجريبية او نظرية. وبينت المقارنة ان هذا التشابه مع شركات الدوت كوم التي لم تحقق ارباحا امر مقلق. واشارت الى ان الابتكار التكنولوجي ليس ضمانا للقيمة الاستثمارية.

واضاف خبراء التكنولوجيا المالية ان البلوك تشين يمكن ان تحدث ثورة في سلاسل الامداد والعقود الذكية دون الحاجة الى عملات رقمية بقيم تريليونية. وشددوا على ان المستثمر الحكيم يجب ان يركز على قيمة التطبيق وليس على الرمز المميز (Token) الذي لا يقدم فائدة فعلية. وبينوا ان الازمة ستأتي عندما يدرك السوق هذا الفصل.

المحور الثالث: تزايد المخاطر النظامية وادماجها في الأسواق التقليدية

في المراحل الاولى، كانت العملات الرقمية منعزلة عن النظام المالي التقليدي. لكن مع تزايد قيمتها السوقية وادراجها في منتجات مالية معقدة مثل صناديق المؤشرات وصناديق التحوط، اصبحت المخاطر النظامية تتزايد. اي انهيار حاد في سوق العملات الرقمية اليوم يمكن ان ينتقل الى الاصول التقليدية مسببا اضطرابا واسع النطاق.

وقال الدكتور روبرت شيلر (Dr. Robert Shiller)، مرة اخرى، ان المخاطر تكمن في مدى ارتباط هذا السوق الوهمي بالتمويل الحقيقي. واكد ان هذا التداخل يخلق نقطة ضعف جديدة في النظام المالي العالمي. ونوه الى ان اي فقاعة تنمو بما يكفي يمكنها ان تسحب معها البنوك والمستثمرين التقليديين.

واكدت الدراسة العلمية الثالثة المنشورة في مجلة Review of Financial Studies (2021)، ان هناك تزايدا في الارتباط (Correlation) بين العملات الرقمية الرئيسية والاسهم التكنولوجية بمرور الوقت. وبينت الدراسة ان هذا يزيد من المخاطر النظامية الكلية للاقتصاد العالمي. واشارت الى ان العملات الرقمية لم تعد ملاذا امنا.

واشار خبراء الاقتصاد الكلي الى ان الفشل في تنظيم هذا السوق المعقد يجعله قنبلة موقوتة. وشددوا على ان الانهيارات المتكررة لمنصات التداول تظهر هشاشة الهيكل الداعم. واضافوا ان غياب الضمانات الحكومية يزيد من احتمالية ان يكون الانهيار مدمرا لقطاع كبير من المستثمرين الافراد.

المحور الرابع: التضخم النقدي والتحول من الأصول الإنتاجية إلى المضاربة

تاريخياً، تزدهر الفقاعات الاستثمارية في بيئة من التيسير الكمي واسعار الفائدة المنخفضة. المال الرخيص يدفع المستثمرين للبحث عن عوائد اعلى في اصول اكثر مخاطرة. العملات الرقمية استفادت بشكل كبير من هذا التضخم النقدي العالمي. التحول من استثمار رؤوس الاموال في اصول انتاجية الى المضاربة على اصول لا تدر عائدا هو علامة كلاسيكية على الهوس.

وقال الدكتور روبرت شيلر (Dr. Robert Shiller) الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل، ان سهولة الوصول الى الائتمان ونقص العوائد في الادوات المالية التقليدية يغذي الرغبة في المخاطرة. واكد ان العملات الرقمية هي الوعاء المثالي لاحتواء هذه السيولة الزائدة. ونوه الى ان هذا الهوس يرتبط بشكل وثيق بالتضخم في اسعار الاصول بشكل عام.

واكدت الدراسة العلمية الاولى المنشورة في مجلة Journal of Financial Economics (2022)، ان التقلبات الحادة في سوق العملات الرقمية تتوافق مع فترات التوسع النقدي. وبينت الدراسة ان هذا يثبت ارتباطها الوثيق بسلوكيات المستثمرين الباحثين عن العائد. واشارت الى ان هذا يؤكد انها ليست اصل تحوط مستقل عن النظام المالي.

واضاف خبراء الاقتصاد الكلي ان العودة الى اسعار الفائدة المرتفعة تشكل تهديدا وجوديا للفقاعة الرقمية. وشددوا على ان ارتفاع تكلفة الاقتراض يقلل من السيولة المتاحة للمضاربة. وبينوا ان هذا الضغط يمكن ان يؤدي الى تصحيح عنيف في تقييمات الاصول الاكثر مضاربة.

المحور الخامس: تفاوت التقييم وغياب نماذج القيمة العادلة

احدى ابرز اوجه الشبه بين العملات الرقمية وفقاعة الدوت كوم هي غياب نموذج تقييم موحد ومقبول للقيمة العادلة. في عام ٢٠٠٠، كانت الشركات تقيم على اساس عدد نقرات المواقع وليس الايرادات. اليوم، تقيم العملات الرقمية بناء على "الامل" في المستقبل و "المجتمع" بدلا من الارباح او التدفقات النقدية المخصومة (DCF).

وقال الدكتور نورييل روبيني (Dr. Nouriel Roubini) الاقتصادي، ان تقييم هذه الاصول هو عملية خيال نقية لا اساس لها في الاقتصاد الحقيقي. واكد انها لا تستوفي المعايير الاساسية لاي تقييم مالي سليم. ونوه الى ان هذا يفتح الباب امام المضاربة المفرطة والتلاعب بالسوق.

واكدت الدراسة العلمية الثانية المنشورة في مجلة The Quarterly Journal of Economics (2023)، ان نسب القيمة الى الاستخدام الفعلي (مثل رسوم المعاملات) في العديد من سلاسل الكتل غير متناسبة. وبينت الدراسة ان هناك فجوة هائلة بين التقييم السوقي واستخدام الشبكة الفعلي. واشارت الى ان هذه الفجوة تشبه الفجوة التي سبقت انهيار اسهم الدوت كوم.

واشار خبراء التحليل المالي الى ان تقييم التكنولوجيا الاساسية يختلف تماما عن تقييم العملة نفسها. وشددوا على ان التقييم يجب ان يعكس قيمة الوظيفة التي تؤديها العملة. واضافوا ان غياب هذه العلاقة المباشرة هو ما يجعل السوق الرقمي عرضة لانهيار التقييم المفاجئ.

المحور السادس: ضعف التنظيم والمخاطر الهيكلية للأسواق الرقمية

تتميز الاسواق الرقمية بضعف التنظيم، مما يسمح بممارسات تجارية غير شفافة وتضارب في المصالح. غياب الحماية الكافية للمستهلكين والافتقار الى متطلبات الشفافية في منصات التداول تزيد من المخاطر الهيكلية. هذه البيئة غير المنظمة سمحت بحدوث انهيارات ضخمة لمنصات تداول وشركات اقراض رقمية.

وقال الدكتور غاريث نيرني (Dr. Gareth Nerney) المحلل المالي، ان البيئة غير المنظمة تسهل عمليات التلاعب بالسوق والتداول الداخلي. واكد ان هذا يحول السوق الى ما يشبه كازينو كبير وليس منصة استثمارية حقيقية. ونوه الى ان غياب الرقابة يزيد من احتمالية حدوث صدمة نظامية كبيرة.

واكدت الدراسة العلمية الثالثة المنشورة في مجلة Review of Financial Studies (2021)، ان الافتقار الى متطلبات راس المال والسيولة في منصات التداول الرقمية يجعلها هشة للغاية. وبينت الدراسة ان هذا الضعف الهيكلي يعزز من انتقال العدوى المالية الى الاسواق الاخرى. واشارت الى ان هذا يشكل خطرا على الاستقرار المالي العام.

واضاف خبراء التشريع المالي ان الضمانات التي تحمي المستثمرين في الاسواق التقليدية تكاد تكون معدومة في الاسواق الرقمية. وشددوا على ان التشفير واللامركزية لا يمكن ان يكونا ذريعة للتهرب من الشفافية. وبينوا ان الحاجة الى تنظيم موحد وواضح اصبحت ضرورة ملحة لمنع انهيار واسع النطاق.

المحور السابع: الهوس العام وتأثير مشاهير الإنترنت على السوق

تعتبر الدعاية والتضخيم الاعلامي جزءا لا يتجزأ من تكوين الفقاعات. في حالة العملات الرقمية، يلعب مشاهير الانترنت والمؤثرون دورا كبيرا في دفع المستثمرين الافراد الى اصول عالية المخاطر. هذا الهوس العام يعكس حالة من التقييم السلوكي غير العقلاني حيث يتخذ الناس قرارات بناء على توصيات غير مهنية بدلا من التحليل المالي.

وقال الدكتور روبرت شيلر (Dr. Robert Shiller)، مرة اخرى، ان السرديات الاكثر جاذبية هي تلك التي تعد بالثراء السريع والسهل. واكد ان هذه القصص تنتشر بسرعة البرق عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ونوه الى ان هذه الظاهرة تشبه الى حد كبير "صحافة الاثارة" التي سبقت فقاعات القرن الماضي.

واكدت الدراسة العلمية الاولى المنشورة في مجلة Journal of Financial Economics (2022)، ان ارتفاع حجم التداول يرتبط بشكل مباشر بزيادة النشاط على وسائل التواصل الاجتماعي. وبينت الدراسة ان هذا يؤكد دور العوامل السلوكية في تحديد السعر بدلا من المعلومات الاساسية. واشارت الى ان هذا التلاعب السردي يهدد استقرار السوق.

واشار خبراء التمويل السلوكي الى ان المستثمرين الافراد هم الاكثر عرضة للخسارة في هذه البيئة. وشددوا على ان الاغراء بالثراء السريع يدفعهم الى استثمار مدخراتهم في مشاريع مجهولة. واضافوا ان هذا النمط من الهوس الشعبي هو اشد المؤشرات خطورة على اننا نعيش في ذروة فقاعة.

المحور الثامن: التمويل اللامركزي (DeFi) ومخاطر الهيكلة المعقدة

يعتبر التمويل اللامركزي (DeFi) من أسرع قطاعات العملات الرقمية نمواً ولكنه الأكثر تعقيداً ومخاطرة. مشاريع DeFi تتضمن هياكل مالية معقدة مثل الإقراض والاقتراض والمشتقات دون اي رقابة او ضمانات مركزية. هذا التعقيد يذكر بهياكل الديون المعقدة التي سبقت الأزمة المالية العالمية عام 2008.

وقال الدكتور نورييل روبيني (Dr. Nouriel Roubini) الاقتصادي، ان مشاريع التمويل اللامركزي هي في الواقع "تمويل مركزي وغامض وغير منظم". واكد انها تعيد خلق نفس مخاطر الرافعة المالية والعدوى التي رأيناها في النظام التقليدي. ونوه الى ان غياب الشفافية يجعل الانهيار حتميا ومفاجئا.

واكدت الدراسة العلمية الثالثة المنشورة في مجلة Review of Financial Studies (2021)، ان مخاطر التصفية المفاجئة في منصات الإقراض اللامركزي يمكن ان تتسبب في صدمات سوقية سريعة جدا. وبينت الدراسة ان الطبيعة المترابطة لهذه البروتوكولات تزيد من خطر العدوى النظامية. واشارت الى ان هذا الضعف الهيكلي يهدد الاستقرار المالي.

واضاف خبراء التكنولوجيا المالية ان الهيكل المعقد لمنتجات DeFi يجعل من المستحيل على المستثمر العادي فهم المخاطر الحقيقية. وشددوا على ان العوائد العالية التي تعد بها هذه المنصات غالبا ما تكون نتيجة مخاطر غير مرئية. وبينوا ان الافتقار الى ضمانات الاصول هو اكبر اوجه الشبه مع الفقاعات المالية التاريخية.

المحور التاسع: الاعتماد على الرافعة المالية في سوق العملات الرقمية

تفاقم استخدام الرافعة المالية (Leverage) العالية من طبيعة الفقاعة في سوق العملات الرقمية. يتم تداول العديد من الأصول الرقمية برافعة مالية تصل الى عشرات الاضعاف مما يعني ان اي تحرك بسيط في السعر يؤدي الى تصفية ضخمة. هذه التصفيات تغذي التقلب وتسرع من وتيرة الانهيار عند حدوث اي تصحيح.

وقال الدكتور غاريث نيرني (Dr. Gareth Nerney) المحلل المالي، ان الرافعة المالية العالية تزيد من سرعة وشدة الانهيار بشكل غير صحي للسوق. واكد ان هذا يثبت ان السوق يدار بالخوف والطمع وليس بالتحليل الاقتصادي. ونوه الى ان هذا السلوك هو سمة مميزة للسوق الذي يقترب من الذروة.

واكدت الدراسة العلمية الاولى المنشورة في مجلة Journal of Financial Economics (2022)، ان الزيادة في استخدام الرافعة المالية ارتبطت بزيادة معدلات التقلب بشكل كبير. وبينت الدراسة ان هذا التضخيم للمخاطر يجعله مشابها لأسواق المشتقات المالية غير المنظمة. واشارت الى ان هذا يزيد من احتمالية حدوث انهيار مفاجئ.

واشار خبراء التمويل الى ان الرافعة المالية تسمح لعدد قليل من اللاعبين بامتلاك تأثير هائل على الأسعار. وشددوا على ان هذا يزيد من مخاطر التلاعب والتحكم بالسوق. واضافوا ان غياب متطلبات الهامش الموحدة يزيد من الضعف الهيكلي للسوق ككل.

المحور العاشر: التشابه السلوكي بين فقاعة الدوت كوم والعملات الرقمية

التشابه السلوكي بين المستثمرين في فقاعة التكنولوجيا والمستثمرين في العملات الرقمية اليوم هو احد اقوى المؤشرات على وجود فقاعة. في كلتا الحالتين، كان المستثمرون على استعداد تام لدفع مبالغ ضخمة مقابل مشاريع ذات ايرادات صفرية او سلبية. الدافع المشترك هو الاعتقاد بـ "هذه المرة مختلفة" وان التكنولوجيا الجديدة ستغير كل شيء.

وقال الدكتور روبرت شيلر (Dr. Robert Shiller) الاقتصادي، ان الشعور بأن هذه التكنولوجيا ستغير العالم يبرر في ذهن المستثمر دفع اي ثمن للاصل. واكد ان هذا التفكير السردي الساذج هو ما يغذي الفقاعات التاريخية. ونوه الى ان التاريخ يعيد نفسه دائما في الاسواق المالية.

واكدت الدراسة العلمية الثانية المنشورة في مجلة The Quarterly Journal of Economics (2023)، ان الارتفاع الهائل في عدد المستثمرين الافراد الجدد الذين يدخلون السوق لأول مرة يتطابق مع النمط السلوكي لعام ٢٠٠٠. وبينت الدراسة ان هذا الاعتماد على المتداولين قليلي الخبرة يزيد من عدم كفاءة السوق. واشارت الى ان هذا دليل على الهوس العام.

واضاف خبراء التمويل السلوكي ان الانهيار يحدث عندما يتغير السرد بشكل مفاجئ. وشددوا على ان التقييمات المفرطة لا تحتاج الى خبر سيئ للانهيار بل تحتاج فقط الى غياب السرد الايجابي الجديد. وبينوا ان الاصول التي تعتمد على "التضخم السردي" تكون الاكثر عرضة للزوال.

المحور الحادي عشر: تزايد ارتباط العملات الرقمية بالأسواق التقليدية كدليل على الخطر

كان يُنظر الى العملات الرقمية في البداية على انها "ملاذ آمن" او أصل لا يرتبط بالأسواق التقليدية. ولكن مع النضج المضاربي، تزايد ارتباطها بالأسهم، خاصة اسهم شركات التكنولوجيا. هذا الارتباط يثبت ان العملات الرقمية ليست أصل تحوط بل هي اصل مخاطرة. هذا التداخل يزيد من المخاطر النظامية ويعرض السوق المالي ككل للخطر.

وقال الدكتور نورييل روبيني (Dr. Nouriel Roubini)، مرة اخرى، ان العملات الرقمية اصبحت مثل اسهم الشركات التكنولوجية التي لا تحقق ارباحا. واكد ان هذا ينسف حجة الملاذ الآمن التي روج لها المؤيدون. ونوه الى ان الاصل الذي يرتفع وينخفض مع مؤشر ناسداك هو اصل مضاربة ليس الا.

واكدت الدراسة العلمية الثالثة المنشورة في مجلة Review of Financial Studies (2021)، ان الارتباط بين البيتكوين ومؤشر S&P 500 زاد بشكل كبير خلال فترات الاجهاد الاقتصادي. وبينت الدراسة ان هذا يعني ان العملات الرقمية تفشل في توفير تنويع للمحفظة. واشارت الى ان هذا يجعلها جزءا من المشكلة النظامية وليست الحل.

واشار خبراء التمويل الدولي الى ان تزايد ارتباط الاصول الرقمية بالتقليدية يقلل من هامش الخطأ لدى البنوك المركزية. وشددوا على ان اي انهيار في الاسواق التقليدية سيؤدي حتما الى تصفية اصول رقمية. واضافوا ان هذا يزيد من قوة الصدمة العائدة الى السوق المالي العالمي.

المحور الثاني عشر: ظاهرة العملات الميمية (Meme Coins) كمؤشر للهوس

ظهور وانتشار العملات الميمية (Meme Coins) التي لا تقدم اي قيمة تكنولوجية او تطبيقية يعتبر مؤشرا قويا على وجود الفقاعة الاستثمارية. هذه العملات ترتفع وتنخفض بشكل جنوني بناء على التغريدات والنكات، مما يؤكد ان السوق مدفوع بالانفعالات والمقامرة وليس بالتحليل العقلاني. هذا السلوك يعكس مرحلة "الهوس" التي سبقت جميع الانهيارات التاريخية.

وقال الدكتور روبرت شيلر (Dr. Robert Shiller) الاقتصادي، ان ظاهرة العملات الميمية تظهر لنا ان المستثمرين يبحثون عن الاثارة والمتعة اكثر من البحث عن القيمة. واكد ان هذا الابتعاد عن العقلانية في الاستثمار هو سمة مميزة للفقاعات التي وصلت الى ذروتها. ونوه الى ان السوق يتحول الى ساحة للمقامرة الجماعية.

واكدت الدراسة العلمية الثانية المنشورة في مجلة The Quarterly Journal of Economics (2023)، ان الزيادة في التداول على الاصول غير المدعومة بأي قيمة اساسية تزيد من عدم استقرار السوق. وبينت الدراسة ان هذا السلوك يخلق ذيول مخاطر ثقيلة (Heavy Risk Tails). واشارت الى ان هذه الذول يمكن ان تسبب انهيارات مفاجئة.

واضاف خبراء التمويل السلوكي ان العملات الميمية تشبه الى حد كبير "اسهم الشركات الوهمية" التي ظهرت قبل انهيار عام ١٩٢٩. وشددوا على ان الاصل الذي يعتمد على الدعاية فقط هو اول ما ينهار عند حدوث تصحيح جاد. وبينوا ان الهوس بالثراء السريع هو اكبر عدو للاستثمار المستدام.

المحور الثالث عشر: غياب التنظيم الرقابي وتأثيره على ثقة المستثمر

الاختلاف الجوهري بين سوق العملات الرقمية والاسواق التقليدية هو الاطار التنظيمي. غياب التشريعات الواضحة او تطبيقها بشكل فعال يخلق حالة من عدم اليقين. هذا النقص في التنظيم سمح بحدوث عمليات احتيال ضخمة وانهيار منصات تداول كبرى، مما يضعف الثقة في البنية التحتية للسوق بالكامل.

وقال الدكتور نورييل روبيني (Dr. Nouriel Roubini) الاقتصادي، ان غياب الرقابة هو ما يجعل العملات الرقمية جذابة للمحتالين وليس للمستثمرين المؤسسيين الجادين. واكد ان هذا يضمن ان الانهيار سيكون فوضويا وغير منظم. ونوه الى ان النظام المالي لا يمكن ان يستمر في التعايش مع هذا المستوى من عدم الشفافية.

واكدت الدراسة العلمية الثالثة المنشورة في مجلة Review of Financial Studies (2021)، ان عدم اليقين التنظيمي يزيد من التقلبات ويجعل السوق اكثر عرضة للتلاعب. وبينت الدراسة ان الثقة تتدهور بعد كل حادثة احتيال او فشل لمنصة كبيرة. واشارت الى ان هذا يؤدي الى موجات بيع جماعية غير عقلانية.

واشار خبراء القانون المالي الى ان التنظيم يجب ان يركز على حماية المستثمر من الاحتيال وتوفير شفافية التداول. وشددوا على ان الحل ليس حظر التكنولوجيا بل تنظيم الاصول التي يتم تداولها عليها. واضافوا ان اي فقاعة لا تحظى باطار تنظيمي ثابت تكون نهايتها اكثر دراماتيكية.

المحور الرابع عشر: السيولة الوهمية والتلاعب بحجم التداول

يعتمد جزء كبير من تقييم العملات الرقمية على حجم التداول اليومي الذي يوحي بالسيولة والطلب. ومع ذلك، تشير تقارير متخصصة الى ان جزءا كبيرا من هذا التداول قد يكون مصطنعا (Wash Trading) او مبالغا فيه. هذه السيولة الوهمية تخلق انطباعا خاطئا بان الاصول مدعومة بطلب حقيقي، وهو ما يعزز الفقاعة.

وقال الدكتور غاريث نيرني (Dr. Gareth Nerney) المحلل المالي، ان الشفافية المفقودة في حجم التداول هي احد اكبر المشاكل التي تواجه السوق. واكد ان التلاعب بحجم التداول يخفي المخاطر ويضلل المستثمرين الجدد. ونوه الى ان هذا يذكر ببعض الممارسات المشبوهة التي سبقت انهيار وول ستريت في اوقات سابقة.

واكدت الدراسة العلمية الاولى المنشورة في مجلة Journal of Financial Economics (2022)، ان هناك علاقة عكسية بين حجم التداول الحقيقي (غير المزور) وثبات السعر. وبينت الدراسة ان الاصول ذات التداول الحقيقي المنخفض هي الاكثر عرضة للتلاعب السعري. واشارت الى ان هذا يدل على ان جزءا كبيرا من السوق يفتقر الى سيولة حقيقية.

واضاف خبراء التمويل ان السيولة الوهمية تسمح للمضاربين الكبار بالخروج من السوق دون التأثير بشكل كبير على الأسعار. وشددوا على ان المستثمرين الافراد هم من يتحملون الخسارة عندما ينكشف التداول الزائف. وبينوا ان هذا يمثل خطرا كبيرا على استقرار السوق في المدى الطويل.

المحور الخامس عشر: الفارق في الابتكار بين فقاعة الدوت كوم والعملات الرقمية

احدى الحجج المضادة للفقاعة هي ان العملات الرقمية هي ابتكار حقيقي على غرار الانترنت. لكن يجب الفصل بين الابتكار التكنولوجي للقاعدة (البلوك تشين) والابتكار المالي للأصل (العملة). في فقاعة الدوت كوم، كان هناك ابتكار خدمي واضح. اليوم، يتمثل الابتكار في اعادة هيكلة الرافعة المالية بطرق لامركزية معقدة.

وقال الدكتور روبرت شيلر (Dr. Robert Shiller)، مرة اخرى، ان الابتكار التكنولوجي يجب ان يقابله ابتكار في القيمة الاقتصادية. واكد ان البلوك تشين هي ابتكار، لكن معظم العملات الرقمية هي مجرد تكرار لأصول مضاربية. ونوه الى ان القيمة تكمن في التطبيق الفعلي وليس في مجرد الوجود التكنولوجي.

واكدت الدراسة العلمية الثانية المنشورة في مجلة The Quarterly Journal of Economics (2023)، ان عددا قليلا جدا من مشاريع العملات الرقمية يتمتع بمنتج قابل للتطبيق يمكنه توليد ايرادات حقيقية. وبينت المقارنة ان شركات الدوت كوم كانت على الاقل لديها نماذج عمل واضحة. واشارت الى ان هذا يؤكد ان العملات الرقمية هي فقاعة تمويلية وليست فقاعة خدماتية.

واشار خبراء التكنولوجيا الى ان القيمة الحقيقية للبلوك تشين ستظهر في تطبيقات غير مالية مثل السجلات الطبية وسلاسل الامداد. وشددوا على ان الاهتمام المفرط بالقيمة المضاربية للاصول يحجب الابتكار الحقيقي. واضافوا ان الانهيار قد يكون ضروريا للفصل بين الاصول ذات القيمة والتقنية الثورية.

المحور السادس عشر: التكلفة البيئية كعائق أمام الاستدامة الاقتصادية

تمثل التكلفة البيئية المرتفعة لاستخراج بعض العملات الرقمية الرئيسية (مثل البيتكوين) عائقا كبيرا امام استدامتها الاقتصادية. استهلاك الطاقة الهائل يثير تساؤلات حول جدوى هذه الاصول كقيمة مخزنة طويلة الاجل. هذا الجانب البيئي يضيف طبقة اخرى من المخاطر غير الموجودة في الفقاعات التقليدية ويزيد من احتمالية التدخل التنظيمي السريع.

وقال الدكتور نورييل روبيني (Dr. Nouriel Roubini) الاقتصادي، ان العملة التي تستهلك طاقة بلد بأكمله هي نموذج اقتصادي غير مستدام على الاطلاق. واكد ان هذه التكلفة الخارجية الضخمة يجب ان يتم اخذها في الاعتبار عند تقييم القيمة. ونوه الى ان هذا يمثل ضعفا هيكليا لا يمكن تجاهله.

واكدت الدراسة العلمية الثالثة المنشورة في مجلة Review of Financial Studies (2021)، ان العلاقة بين سعر البيتكوين واستهلاك الطاقة لا تظهر اي علامات على الكفاءة المتزايدة. وبينت الدراسة ان هذا يعني ان التكاليف التشغيلية ستبقى مرتفعة. واشارت الى ان هذا يشكل ضغطا سلبيا على تقييم الاصل على المدى البعيد.

واضاف خبراء الاقتصاد البيئي ان الحكومات والمنظمات الدولية ستضطر عاجلا ام اجلا الى فرض ضرائب او قيود على هذه الانشطة كثيفة الاستهلاك للطاقة. وشددوا على ان اي قيود بيئية يمكن ان تتسبب في انهيار سريع لنموذج التعدين. وبينوا ان هذه المخاطر التنظيمية المتعلقة بالمناخ هي عامل جديد في الفقاعات.

المحور السابع عشر: طبيعة الأصول الرقمية القائمة على الانقسام (Forks)

الاصل المالي التقليدي (السهم او السند) له كيان واحد واضح. في المقابل، العملات الرقمية يمكن ان تنقسم (Forks) بسهولة لتنتج اصول جديدة. هذا الانقسام يخلق حالة من عدم اليقين حول اي اصل يحمل القيمة الاصلية. هذه الخاصية الفريدة تزيد من غموض التقييم وتجعل المستثمرين عرضة لتوزيع استثماراتهم على اصول متنافسة.

وقال الدكتور غاريث نيرني (Dr. Gareth Nerney) المحلل المالي، ان قدرة العملة الرقمية على الانقسام تضعف من مفهوم الندرة والقيمة الجوهرية. واكد ان هذا يثير تساؤلات حول طبيعة الملكية في الفضاء اللامركزي. ونوه الى ان هذه الازدواجية في الاصول لا توجد في الاسواق المالية التقليدية.

واكدت الدراسة العلمية الاولى المنشورة في مجلة Journal of Financial Economics (2022)، ان احداث الانقسام تسببت في زيادة التقلب وعدم اليقين في السوق الرقمي. وبينت الدراسة ان هذا التشتت في الاصول يقلل من الثقة في اي عملة واحدة كقيمة مخزنة. واشارت الى ان هذا يزيد من حالة الضبابية الاستثمارية.

واشار خبراء التمويل الى ان المستثمرين يجب ان يفهموا ان الاصل الرقمي ليس كيانا ماديا ثابتا. وشددوا على ان اي خلاف في المجتمع التقني يمكن ان يؤدي الى ظهور عملة منافسة. وبينوا ان هذا الخطر التقني يجب ان يترجم الى خصم كبير في التقييمات الحالية.

المحور الثامن عشر: الإفراط في التشاؤم مقابل الإفراط في التفاؤل

تتأرجح اسواق العملات الرقمية بين اقصى درجات التفاؤل (البيتكوين ستبلغ مليون دولار) واقصى درجات التشاؤم (البيتكوين ستنهار الى الصفر). هذا التذبذب الحاد يعكس هيمنة السلوكيات الانفعالية. غياب منطقة وسطى منطقية للتقييم هو السمة الاكثر وضوحا للفقاعات التي يسيطر عليها الهوس. [Image comparing the emotional cycles of a financial bubble and the cryptocurrency market]

وقال الدكتور روبرت شيلر (Dr. Robert Shiller) الاقتصادي، ان الفقاعات تخلق اقطابا متضادة جدا من المتطرفين. واكد ان الحوار لا يدور حول القيمة بل حول الايمان المطلق او الرفض المطلق. ونوه الى ان هذا يمنع السوق من الوصول الى تسعير عقلاني ومستقر.

واكدت الدراسة العلمية الثانية المنشورة في مجلة The Quarterly Journal of Economics (2023)، ان التوزيع السعري للعملات الرقمية لا يتبع التوزيع الطبيعي المتوقع للاصول المالية. وبينت الدراسة ان هذا التوزيع يشير الى سيطرة "الاصوات المتطرفة" في السوق. واشارت الى ان هذا يزيد من احتمالية حدوث صدمات غير متوقعة.

واضاف خبراء التمويل السلوكي ان على المستثمر ان يحذر من اي اصل يتطلب ايمانا بدلا من تحليلا ماليا. وشددوا على ان الايمان يرتفع بسرعة ولكنه ينهار اسرع بكثير. وبينوا ان التركيز على الاستخدام الفعلي والتدفقات النقدية هو الملاذ الوحيد من هذا التذبذب الانفعالي.

المحور التاسع عشر: الدروس المستفادة من انهيار فقاعة الدوت كوم في التعامل مع التكنولوجيا

انهيار فقاعة الدوت كوم لم يلغ شبكة الانترنت بل صفى الشركات الوهمية والمبالغ في تقييمها. الابتكار الحقيقي استمر وخرجت منه شركات عملاقة ذات نماذج اعمال سليمة. العملات الرقمية قد تمر بنفس المرحلة. الانهيار المحتمل لن يلغي تكنولوجيا البلوك تشين، بل سيزيل معظم الاصول المضاربية ذات القيمة الصفرية.

وقال الدكتور نورييل روبيني (Dr. Nouriel Roubini)، مرة اخرى، ان البلوك تشين ستبقى لكن ٩٩ في المئة من العملات الرقمية الحالية ستختفي. واكد ان هذا هو السيناريو الذي حدث في عام ٢٠٠٠ عندما بقيت شركات قليلة واستمر الابتكار. ونوه الى ان النجاة في هذه المرحلة ستكون للاصول التي لديها تطبيقات اقتصادية حقيقية.

واكدت الدراسة العلمية الثانية المنشورة في مجلة The Quarterly Journal of Economics (2023)، ان التقييمات المفرطة تعيق الابتكار السليم عن طريق توجيه راس المال الى مشاريع غير مجدية. ونوهت الدراسة الى ان انهيار الفقاعة يحرر راس المال لتمويل الابتكارات الأكثر واقعية. واشارت الى ان هذا التنظيف هو مرحلة ضرورية لنضج الصناعة.

واشار خبراء الاستثمار الى ان المستثمر الذكي يجب ان يفصل بين التكنولوجيا وبين الاصل. وشددوا على ان التركيز على البروتوكولات التي تقلل التكاليف او تزيد الكفاءة هو الطريق الى النجاح. واضافوا ان الاصول التي تدر عائدا او فائدة واضحة هي فقط التي ستنجو من تصحيح السوق.

المحور العشرون: دور "الحيتان" وتأثير الثروة المركزة على السوق

تتميز اسواق العملات الرقمية بتركيز هائل للثروة في ايدي عدد قليل من المستثمرين الكبار المعروفين باسم "الحيتان". هذا التركيز يمنحهم قوة تلاعب غير مسبوقة في الاسواق التقليدية. قدرة عدد قليل من الافراد على شراء او بيع كميات ضخمة يؤثر بشكل غير عقلاني على الاسعار ويخلق تقلبات مصطنعة. هذا الهيكل يؤكد ان السوق ليس لامركزيا بالمعنى الحقيقي للكلمة.

وقال الدكتور غاريث نيرني (Dr. Gareth Nerney) المحلل المالي، ان السوق الذي يمكن ان يتأثر بشكل كبير بقرارات حفنة من الافراد هو سوق غير صحي وغير مستقر. واكد ان هذا التركيز للثروة يزيد من المخاطر السلوكية ويسهل التلاعب. ونوه الى ان هذا يضع المستثمرين الافراد في وضع ضعيف للغاية.

واكدت الدراسة العلمية الاولى المنشورة في مجلة Journal of Financial Economics (2022)، ان تركيز ملكية العملات الرقمية يفسر جزءا كبيرا من التقلب الشديد. وبينت الدراسة ان تحركات "الحيتان" غالبا ما تتسبب في دورات من البيع والشراء الجماعي. واشارت الى ان هذا النمط يتماشى مع سلوكيات الفقاعات التي يسيطر عليها قلة من اللاعبين.

واضاف خبراء التمويل ان غياب الشفافية حول هويات هؤلاء الحيتان يجعل من الصعب التنبؤ بسلوكيات السوق. وشددوا على ان اللامركزية الاسمية لا تعني التوزيع العادل للثروة او النفوذ. وبينوا ان هذا الهيكل السوقي يزيد من احتمالية حدوث صدمة سعرية مفاجئة وغير مبررة.

المحور الحادي والعشرون: هل التبني المؤسسي يعني نضج السوق؟

شهدت السنوات الاخيرة زيادة في التبني المؤسسي للعملات الرقمية من قبل بنوك استثمارية وشركات تأمين وصناديق تحوط. يرى المؤيدون ان هذا دليل على نضج السوق واكتسابه الشرعية. لكن النقاد يرون ان هذا الادماج لا يعني ان الاصل اصبح اقل مخاطرة بل يعني ان المخاطر انتشرت الى المؤسسات التقليدية. هذا التداخل يضاعف من المخاطر النظامية الكلية.

وقال الدكتور نورييل روبيني (Dr. Nouriel Roubini) الاقتصادي، ان دخول المؤسسات لا يغير من حقيقة ان الاصل مضاربي بلا قيمة اساسية. واكد ان المؤسسات تبحث عن عوائد سريعة وتعمل برافعة مالية. ونوه الى ان هذا يضاعف من خطر العدوى المالية في حال حدوث تصحيح كبير.

واكدت الدراسة العلمية الثالثة المنشورة في مجلة Review of Financial Studies (2021)، ان ادماج العملات الرقمية في محافظ المؤسسات المالية يزيد من ارتباطها بالاقتصاد الحقيقي. وبينت الدراسة ان هذا يعني ان اي صدمة في العملات الرقمية يمكن ان تنتقل الى الاصول الاكثر استقرارا. واشارت الى ان هذا التداخل يعمق المخاطر النظامية.

واضاف خبراء التمويل الدولي ان التبني المؤسسي هو السمة الاخيرة قبل الوصول الى ذروة الفقاعة. وشددوا على ان المؤسسات غالبا ما تدخل الاسواق بعد ان يكون جزء كبير من الارتفاع قد حدث. وبينوا ان المؤسسات يمكن ان تكون محفزا لانهيار الفقاعة عندما تبدأ في تصفية مراكزها الكبيرة.

المحور الثاني والعشرون: خلاصة القول في سيناريوهات المستقبل

العملات الرقمية تحمل اوجه شبه واضحة مع الفقاعات الاستثمارية التاريخية، خاصة فقاعة التكنولوجيا. هذه اوجه الشبه تتمثل في التقييمات المفرطة، الاعتماد على السرديات، ضعف التنظيم، وهيمنة المضاربة على القيمة الاساسية. السيناريو الأكثر احتمالا ليس اختفاء التكنولوجيا (البلوك تشين) بل تصحيح عنيف يمحو القيمة السوقية لمعظم العملات غير المدعومة بالاستخدام الحقيقي. هذا التصحيح سيكون ضروريًا لنضج الصناعة والفصل بين الاصول ذات القيمة الحقيقية والاخرى المضاربية.

وقال الدكتور روبرت شيلر (Dr. Robert Shiller) الاقتصادي، ان التاريخ يثبت ان معظم الاصول المضاربية لا تنجو من انهيار الفقاعة. واكد ان الانهيار سيكون فرصة لظهور ابتكارات اكثر استدامة. ونوه الى ان المستثمرين يجب ان يركزوا على القيمة التكنولوجية طويلة الاجل وليس على السعر اللحظي.

واكد الدكتور غاريث نيرني (Dr. Gareth Nerney) المحلل المالي، ان التحدي هو في ادارة الانهيار بشكل لا يدمر الثقة في التكنولوجيا الاساسية. وبين ان النجاة ستكون حليف البروتوكولات التي لديها تدفقات مالية واضحة او وظيفة اقتصادية لا يمكن الاستغناء عنها. واشار الى ان السوق سيصبح اكثر عقلانية بعد تصحيح كبير.

واضاف خبراء التمويل ان على المستثمرين استخدام نماذج تقييم متحفظة للغاية والابتعاد عن الاصول التي تعتمد على "التضخيم السردي" فقط. وشددوا على ان الحماية من الفقاعة تبدأ بفهم ان التكنولوجيا ليست استثمارا دائما. وبينوا ان العملات الرقمية هي تجربة ايضية تاريخية ذات نتائج غير مضمونة.

الخاتمة 

تعد العملات الرقمية واحدة من اكثر الظواهر المالية تعقيدا في العصر الحديث. وبينما لا يمكن انكار القيمة الثورية لتكنولوجيا البلوك تشين، الا ان التقييمات السوقية الحالية لمعظم العملات لا تتناسب مع قيمتها الاساسية او استخدامها الفعلي. فالتشابه المنهجي مع فقاعة التكنولوجيا عام ٢٠٠٠، بالاضافة الى ضعف التنظيم وهيمنة المضاربة، يشير بقوة الى اننا نعيش في مرحلة من الهوس. ان السيناريو المستقبلي الأكثر ترجيحا هو "تطهير" للسوق يعيد تقييم الاصول بناء على المنطق الاقتصادي وليس السرديات الحالمة.

المراجع العلمية والتصريحات المعتمدة:

دراسة لمجلة Review of Financial Studies بعنوان "التداخل بين العملات الرقمية والأسواق التقليدية: تقييم المخاطر النظامية".

دراسة لمجلة The Quarterly Journal of Economics بعنوان "قياس القيمة الأساسية للعملات المشفرة: مقارنة منهجية مع تقييمات شركات الدوت كوم لعام 2000".

دراسة لمجلة Journal of Financial Economics بعنوان "تحليل التقلب المفرط في أسواق العملات الرقمية: هل هو سلوك فقاعة أم نضج تكنولوجي؟"

الدكتور غاريث نيرني (Dr. Gareth Nerney): محلل مالي متخصص في الابتكار التكنولوجي والتمويل اللامركزي (DeFi).

الدكتور نورييل روبيني (Dr. Nouriel Roubini): اقتصادي وخبير في الأزمات المالية، معروف بتوقعاته المتشائمة.

الدكتور روبرت شيلر (Dr. Robert Shiller): اقتصادي حائز على جائزة نوبل، متخصص في سلوكيات السوق والفقاعات.