2025-10-12 - الأحد

اختبار مرونة الهند في مواجهة الرسوم الجمركية الأمريكية

{title}

أنكور سينغ *

في بداية شهر أغسطس/آب المنصرم، تعرضت الهند لانتكاسة كبيرة في طموحاتها الصناعية، وذلك بعد أن قرر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب فرض رسوم جمركية تصل إلى 50% على واردات الهند إلى الولايات المتحدة. هذه الخطوة، التي تم تبريرها بسبب تمسك نيودلهي بشراء النفط الروسي، تلاها زيادة إضافية بنسبة 25% في فترة زمنية قصيرة، مما وضع الهند في موضع المذنب مقارنة بدول آسيا والمحيط الهادئ. خلال أسبوع واحد فقط، فقدت الأسهم الهندية حوالي 900 مليون دولار، حيث تخلّى المستثمرون الأجانب عن حيازاتهم، لينضم هذا المبلغ إلى ملياري دولار أخرى فقدت في يوليو/تموز. ومع تراجع المؤشرات الاقتصادية، حذّرت وكالة «موديز» من أن النمو الاقتصادي قد يتباطأ بنحو 0.3 نقطة مئوية هذا العام، مما يجعل تصريحات ترامب تتجاوز كونها مجرد خطاب انتخابي إلى واقع اقتصادي مؤلم.

لم تكن الرسوم الجمركية مجرد إجراء عابر، بل كانت لها تأثيرات كبيرة على قطاعات تصديرية حيوية مثل النسيج، المجوهرات، الأحذية، والآلات الصناعية. تشير التقديرات الأولية إلى أن ما بين 30 إلى 35 مليار دولار من الصادرات الهندية باتت مهددة بشكل مباشر، بينما يرتفع حجم الآثار غير المباشرة إلى حوالي 64 مليار دولار. من الناحية الاجتماعية، تحذر الجمعيات المختصة من فقدان ما بين 200 إلى 300 ألف وظيفة، خاصة في التجمعات الصناعية الصغيرة التي تعتمد على أوامر شراء محدودة.

ومع ذلك، تبدو الصورة العامة أقل حدة عند مقارنتها بالاقتصاد الكلي، حيث لا تتجاوز تجارة السلع للهند مع الولايات المتحدة 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي. بالإضافة إلى ذلك، سمح البنك المركزي الهندي بانخفاض مضبوط في قيمة الروبية من 85.64 إلى 87.89 مقابل الدولار، مما منح الصادرات بعض القدرة التنافسية دون إثارة موجة هروب لرؤوس الأموال.

الأهم من ذلك، أن قطاع الخدمات الهندي لم يتأثر بشكل كبير. ففي يونيو/حزيران الماضي وحده، سجلت صادرات الخدمات 32.1 مليار دولار، بينما تجاوزت صادرات البرمجيات 205 مليارات دولار في السنة المالية السابقة. وهذا العمق في القطاع الخدمي يوفر لنيودلهي مجالاً للتنفس وفرصة لصياغة السياسات على المدى الطويل. ومع ذلك، تُخفي هذه الأرقام وراءها معاناة مركّزة، حيث تبلغ صادرات الهند من الإلكترونيات إلى الولايات المتحدة 14 مليار دولار سنوياً، والأدوية 10 مليارات دولار، والألماس المصقول 5 مليارات دولار. تخيل أن كل هذه الأرقام باتت في قلب العاصفة، ومع ضعف الطلب الأمريكي أصلاً، يزداد وقع الصدمة على الفئات الأقل قدرة على الصمود.

على الجانب الآخر، يرى البعض أنه رغم التحديات، لا يمكن قياس القصة بالأرقام فقط. صحيح أن الاقتصاد الهندي يمتلك القدرة على استيعاب الضربة الفورية، إلا أن التحدي الأكثر عمقاً هو استراتيجي. الرسالة الأمريكية واضحة: «واشنطن تستخدم التجارة كأداة ضغط سياسي». بالنسبة للهند، يتطلب هذا الواقع إدارة اقتصادية قائمة على ركائز متينة من المرونة.

أولى هذه الركائز تكمن في تسريع التكامل الآسيوي. إن اعتماد نيودلهي الكبير على الأسواق الغربية، حيث بلغت صادراتها من السلع إلى الولايات المتحدة 79.4 مليار دولار في عام 2024، أصبح نقطة ضعف واضحة. الطريق لتقليل المخاطر يمر عبر اتفاقيات أعمق مع دول مجلس التعاون الخليجي، وتسريع التكامل في سلاسل التوريد مع شركاء «آسيان» مثل فيتنام وإندونيسيا. تحتاج الهند، لضمان حماية نفسها، إلى أن تكون حلقة وصل لا غنى عنها في شبكة آسيوية مزدهرة.

أما الركيزة الثانية فهي ترسيخ الاستقلال المالي عن طريق تقليل الاعتماد على الدولار. إن الهيمنة الاقتصادية لواشنطن تعتمد بشكل كبير على قوة عملتها. لذلك، فإن التجارب مثل الاتفاق الهندي الإماراتي للتجارة بالروبية والدرهم ليست مجرد خطوات تقنية، بل هي ضرورات استراتيجية لبناء نظام مالي بديل يقلل من مخاطر العقوبات والرسوم ذات الطابع السياسي. أما الركيزة الثالثة، والتي قد تكون الأهم، فهي تمكين القدرات الداخلية واستكمال الإصلاحات. فهي تشكل خط الدفاع الأول ضد الضغوط على المدى الطويل، ويجب التعامل معها كمسألة أمن قومي. كما أن تعميم التحول الرقمي للمؤسسات الصغيرة عبر منصات مثل شبكة التجارة الرقمية المفتوحة يمكن أن يفتح أمام الهند أسواقاً عالمية جديدة ويضاعف قدرتها التنافسية.

بناءً على ما سبق، يمكن الاستنتاج أن الرسوم الأمريكية تتجاوز أبعاد النزاع التجاري، حيث تمثل اختباراً هيكلياً لصلابة الهند. يجب على نيودلهي أن تقرر بسرعة: هل ستتكيف مع نظام عالمي أكثر قسوة وعدائية، أم ستبقى عرضة لضغوط متزايدة كلما تغيرت الرياح السياسية في واشنطن؟

* محلل أبحاث في مركز الدراسات الاقتصادية الجديدة، جامعة «أو بي جيندال» الهندية (منتدى شرق آسيا)