الحسين الزاوي
يعتبر موضوع العلاقة بين الدين والسياسة من المواضيع القديمة التي ظلت تتجدد في كل حقبة زمنية، خاصة عند النظر إلى تأثيراته الجيوسياسية الحالية. إن تناول هذا الموضوع من منظور تأثيراته على النقاشات العامة بين النخب السياسية والأكاديمية يصبح ذا أهمية خاصة في ظل التغيرات العالمية. فقد أصبح واضحًا أن الدين لم يعد مجرد عنصر هامشي في الحياة السياسية، بل أصبح من الأدوات الأساسية التي يعتمدها اليمين الشعبوي في العديد من الدول، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، بهدف مواجهة الديمقراطية الليبرالية. يُنظر إلى هذه الديمقراطية على أنها تزعزع التوازنات التقليدية في المجتمعات، حيث يُعتقد أنها تعزز من قيم الفردانية وتقلل من أهمية التماسك المجتمعي.
قد يُعتبر وصول ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة وجلسة ليون السادس عشر على عرش البابوية في الفاتيكان بمثابة بداية لظهور توازنات جيوسياسية جديدة. فقد شهدت الساحة الدولية تغيرات كبيرة خلال العقدين الماضيين، حيث انتقلت الولايات المتحدة من دولة تدافع عن القيم الليبرالية إلى دولة محافظة تحتفي بالدين، وتدعم أشكالاً جديدة من «المسيحية الصهيونية» التي تتحدى العالم بأسره، وتدعم إسرائيل بشكل غير مسبوق.
تشير التحليلات إلى أن الدين يلعب دورًا محوريًا في المشهد الدولي الحديث بصور متعددة، حيث يتجاوز الصورة التقليدية للأديان. ففي روسيا، على سبيل المثال، قدم بابا الكنيسة الأرثوذكسية كيريل تبريرات لاهوتية للعمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، بينما في الولايات المتحدة، يسعى نائب الرئيس الأمريكي إلى التأثير في اختيار البابا الجديد في الفاتيكان. وفي المجر، يدافع رئيس الوزراء عن القيم المسيحية لأوروبا في مواجهة الهجرات المتزايدة من الشرق.
هذه الديناميكيات تتزامن مع تصاعد النزاعات في مناطق مختلفة من العالم، حيث يوجد حوالي 61 نزاعًا تتورط فيها 36 دولة، لا سيما في إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، مما يعكس وضعًا غير مسبوق منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وقد تجلى ذلك في خطاب ترامب أمام الأمم المتحدة، الذي استخدم فيه الدين كأداة للدفاع عن مصالح اليمين الأمريكي، مستهدفًا ليس فقط خصومه بل أيضًا حلفاءه الأوروبيين الذين يتبنون الليبرالية.
لقد أكد ترامب على أهمية الدفاع عن حرية التعبير والحرية الدينية، مع التركيز على العقيدة المسيحية التي يرى أنها تتعرض للاضطهاد في جميع أنحاء العالم. وفي هذا السياق، اعتبر أن الدفاع عن القيم التقليدية التي يدعمها الدين هو جزء لا يتجزأ من الدفاع عن السيادة الوطنية.
تظهر الأبحاث، مثل تلك التي أجرتها دلفين أليس في كتابها «الدين والعلاقات الدولية»، أن العامل الديني له تأثير كبير حتى في الدول الأوروبية التي كانت قد أسست سلطتها على حساب سلطة الكنيسة. حيث يظهر الدين في السياسة بعدة أشكال تتباين بحسب السياقات المختلفة. فهناك محاولات لتسييس الانتماء الديني، مما يخلق تداخلات بين العقائد والصراعات السياسية.
لكن يجب أن نكون حذرين من تأويلات مضاعفة للدين، إذ لا يمكنه الهيمنة كما كان في العصور الوسطى. من الواضح أن التوظيف السياسي للدين من قبل الحكومات اليمينية يتسم بالطابع الانتهازي، حيث يسعى لتلبية أجندات انتخابية في ظل ظروف اقتصادية صعبة. كما تسهم المنصات الرقمية في نشر الوعي الزائف، مما يؤدي إلى تقليص العقلانية النقدية وانتشار ظواهر المعرفة الوهمية في عالم تتزايد فيه المعلومات الرقمية بشكل غير مسبوق.