2025-10-12 - الأحد

ابن خلدون: الأثر الفكري في العالم المعاصر

{title}

يحيى زكي

يقول المفكر روبرت آرون في كتابه «ابن خلدون.. سيرة فكرية»: «لو حاولت أن تقرأ كل ما كُتب عن ابن خلدون فسوف تموت قبل أن تتمكن من إنجاز المهمة». تلخص تلك المقولة ولعاً غربياً بشخصية صاحب «المقدمة»، وهو أحد الشخصيات العربية القليلة التي تركت بصمة واضحة في الفكر الأوروبي عبر العصور. ابن خلدون، الذي عاش في النصف الثاني من القرن الرابع عشر، كتب ما اعتُبر لاحقاً بداية لعلم الاجتماع في فترة كانت أوروبا تتلمس فيها سبل نهضتها.

تأثير ابن خلدون على المفكرين

يبرز آرون في كتابه كيف أثر ابن خلدون في العديد من المفكرين، خاصة خلال القرن التاسع عشر، في حقبة نشوء علم الاجتماع الحديث. عربياً، كان لابن خلدون تأثير كبير، حيث كانت رسالة طه حسين للدكتوراه في بدايات القرن العشرين تتعلق به. كما يمكننا أن نلاحظ هذا الأثر في مختلف تيارات الفكر العربي الحديث والمعاصر، من اليساري إلى الحداثي والكلاسيكي والليبرالي. نجد كتابات عديدة عنه لدى مفكرين مثل العراقي علي الوردي، والبحريني محمد جابر الأنصاري، والسوري عزيز العظمة، فضلاً عن دوره المركزي في مشروع المفكر المغربي محمد عابد الجابري. كما تأثرت حياته بتقلباتها وبعض أحداثها المأساوية أدباء مثل المسرحي السوري سعد الله ونوس والروائي المغربي بنسالم حميش.

الولع بأفكار ابن خلدون في السياق العربي

لكن يُلاحظ أن الولع بابن خلدون على المستوى العربي قد تصاعد بعد هزيمة يونيو 1967، حيث كان المزاج الفكري يميل إلى التشاؤم والنقد الذاتي بشكل قوي. هاتان السمتان تتواجدان بقوة في فكر ابن خلدون، الذي شهد بدوره اجتياح التتار بقيادة تيمور لنك لبلاد الشام.

مقولة ابن خلدون عن الحضارات

تطرح المركزية لابن خلدون في الفكر العربي المعاصر تساؤلاً مهماً: هل تناسب أطروحاته الراهنة العربية والدولية التي نعيش فيها؟ بمعنى آخر، هل تنطبق مقولته الشهيرة حول ازدهار وانهيار الحضارات وتحديد عمر الدول بثلاثة أو أربعة أجيال على البلدان المعاصرة؟ الأمر هنا يحتاج إلى تأمل، إذ توجد بلدان عاشت مزدهرة لقرون دون أن ينطبق عليها هذا القانون.

الترف والحضارة في رؤية ابن خلدون

بالإضافة إلى ذلك، يردد الكثيرون مقولة أخرى شهيرة لابن خلدون تؤكد أن الترف مفسد للحضارة، دون التمييز بين الترف المقصود والرفاهية التي أصبحت سمة من سمات العولمة الحالية، حيث تتفشى نزعة الاستهلاك. ومن الجدير بالذكر انتشار مصطلح «دولة الرفاه» للإشارة إلى دول حققت مستويات متقدمة في التنمية.

تاريخ ابن خلدون وميراثه الفكري

توفي ابن خلدون في عام 808 هجرية، وفي مقدمته يوجد حس واضح بأفول شمس الحضارة الإسلامية، حيث شهد تفكك العديد من البلدان العربية وذهاب «عصبيتها». وقد كتب عن مختلف العلوم كأنه يؤرخ لها، مشيراً إلى أنه شهد جائحة التتار ووباء الطاعون الذي أودى بحياة العديد من أفراد عائلته. كل هذه الظروف أسهمت في تشكيل أفكاره ومشاعره التي سادت «المقدمة». وعلى الرغم من إعجابنا بقدرة كاتبه على التحليل، فإنه يظل في العمق وفياً لزمنه وحدود علوم عصره وتقلباته. لذا، يمكن أن نستفيد من رؤيته ومنهجه، ولكن تبقى صحة مقولاته بحاجة إلى مراجعة وتصويب.