2025-10-12 - الأحد

الإمارات كمحرك رئيسي للتكامل الاقتصادي الخليجي

{title}

جابر محمد الشعيبي*

يشهد الاقتصاد الخليجي تحولاً مهماً يتجاوز حدود التعاون التقليدي، حيث يسعى إلى بناء نظام تكامل اقتصادي حقيقي. هذه الخطوة ليست مجرد شعار سياسي، بل واقع اقتصادي يتجلى من خلال الأرقام والمشروعات المشتركة. إن الإرادة الوطنية تسعى إلى تحويل الخليج إلى كيان اقتصادي مؤثر على الصعيدين الإقليمي والدولي.

في السنوات الأخيرة، أثبتت العلاقات الاقتصادية بين دول مجلس التعاون الخليجي أنها ليست مجرد تنسيق أو تبادل للمنافع، بل أصبحت ركيزة أساسية للتكامل الإنتاجي والاستثماري. وفقاً لتقرير صادر عن مؤسسة الخليج للاستثمار، بلغ حجم التجارة البينية بين دول الخليج حوالي 134.6 مليار دولار أمريكي في عام 2024، مما يدل على نمو مستمر في حركة التبادل التجاري الداخلي. كما تستمر الاستثمارات المشتركة في التوسع بوتيرة متسارعة، مما يعزز الوعي الخليجي بأهمية الانتقال من التعاون إلى الاندماج الاقتصادي الكامل.

توقعات البنك الدولي تشير إلى أن اقتصاد دول الخليج من المتوقع أن ينمو بنسبة 3.2% في عام 2025، ويرتفع إلى 4.5% في عام 2026، مدفوعاً بالتوسع في القطاعات غير النفطية التي شهدت نمواً بلغ 3.7% في عام 2024. هذه الأرقام تعكس نجاح دول المجلس في تعزيز مرونتها المالية وتوسيع قاعدة تنويع الدخل، حيث أصبحت القطاعات الجديدة مثل التكنولوجيا والطاقة المتجددة محركاً رئيسياً للنمو المستدام.

تتألق الإمارات في هذا السياق كقوة اقتصادية رائدة وداعمة للتكامل الخليجي. فقد سجلت التجارة غير النفطية للدولة في عام 2024 قفزة قياسية وصلت إلى 3 تريليونات درهم، بزيادة قدرها 14.6% مقارنة بالعام السابق، مما يعزز من مكانتها كمركز تجاري ومالي رئيسي يربط الخليج بالأسواق العالمية. المصرف المركزي الإماراتي يتوقع أن ينمو الاقتصاد الوطني بنسبة 4.9% في عام 2025، مدفوعاً بالنشاط القوي في القطاعات غير النفطية، بما في ذلك الخدمات والتكنولوجيا والطاقة النظيفة.

هذا الأداء الإيجابي يعكس رؤية إماراتية تهدف إلى تمكين السوق وليس رعايته، وقيادة التحول الإقليمي من خلال السياسات المرنة والمبادرات التكاملية. لقد لعبت الإمارات دوراً محورياً في دعم مشروعات الربط الكهربائي والمائي وتطوير أسواق المال الخليجية، بالإضافة إلى إنشاء منصات للاستثمار المشترك. كما أن نجاح الإمارات في التحول الرقمي وتبني الذكاء الاصطناعي منحها ميزة تنافسية، مما يجعلها نموذجاً يحتذى به في التحول الاقتصادي الخليجي.

لا يمكن إغفال أن الإمارات أصبحت مركز القرار الاستثماري الخليجي في مجالات متعددة مثل الطيران، الموانئ، الطاقة المتجددة، والخدمات المالية. فالإمارات لا تستثمر فقط داخل حدودها، بل تعيد تعريف مفهوم "رأس المال الخليجي" من خلال توسع مؤسساتها في الأسواق الإقليمية والعالمية، مما يجعلها جسراً للتكامل الاقتصادي الخارجي ورافعة لدور الخليج في الاقتصاد العالمي.

ما يميز التجربة الإماراتية هو الجمع بين الدبلوماسية الاقتصادية والانفتاح الاستثماري. عبر شبكة شراكاتها الاقتصادية الشاملة (CEPA)، تمهد الإمارات الطريق لتوسيع نطاق التعاون الخليجي نحو فضاءات جديدة في آسيا وأوروبا وإفريقيا. هذه الاتفاقيات لا تعزز موقع الدولة فحسب، بل تفتح أيضاً أسواقاً جديدة أمام الشركات الخليجية الأخرى، مما يجعل من الإمارات واجهة اقتصادية جماعية للمنطقة وليس مجرد لاعب وطني. كما أن المبادرات الإماراتية في مجالات الطاقة النظيفة والمناخ والاستدامة، خصوصاً بعد استضافة مؤتمر COP28 ونجاح تجربة إكسبو 2020 دبي، رسخت دورها كقوة توازن بين النمو الاقتصادي والمسؤولية الاجتماعية والبيئية على مستوى الخليج والعالم.

لكن الحلم الخليجي المشترك يتطلب تجاوز النجاحات الفردية نحو بناء سوق موحدة فعالة تجمع بين السياسات المالية والتشريعية والجمركية في إطار مؤسسي واحد. فالتكامل الحقيقي لا يتحقق بالاتفاقيات فقط، بل بقدرة الدول الأعضاء على تنسيق استراتيجياتها التنموية واستثمار نقاط قوتها بشكل تكاملي. وفي هذا السياق، يمكن للخبرة الإماراتية في الحوكمة الاقتصادية وإدارة التنافسية أن تكون عنصراً حاسماً في بناء نموذج خليجي متماسك ومستدام.

لقد أثبتت التجربة أن الخليج، عندما يعمل بروح الوحدة، يصبح أكثر قدرة على مواجهة الأزمات واستغلال الفرص. فالتكامل الاقتصادي لا يعني فقط تبادل السلع ورؤوس الأموال، بل بناء كتلة إقليمية قادرة على إنتاج المعرفة واستثمارها. وتمثل الإمارات، بفضل رؤيتها الاقتصادية الشاملة وقدراتها المالية والتنظيمية المتقدمة، القلب النابض لهذا المشروع الخليجي المشترك، ودليلاً على أن الاقتصاد يمكن أن يكون لغة الوحدة الأكثر فاعلية في زمن التكتلات الكبرى.

* كاتب وباحث إماراتي