🧬 الأساس النظري وتصميم الدايت المخصص
علم التغذية الشخصية يمثل ثورة حقيقية في فهم علاقة الطعام بالجسم، وهو يتجاوز بكثير مجرد عد السعرات الحرارية او اتباع حمية عصرية، الهدف الاساسي هو الوصول الى فهم عميق لكيفية تفاعل المكونات الغذائية مع الشفرة الوراثية الفريدة لكل انسان، مما يفتح الباب امام تخصيص الأنظمة الغذائية بدقة غير مسبوقة. هذا التخصص العلمي الجديد الذي يعرف باسم التغذية الجينية او علم الجينات الغذائية (Nutrigenomics) يقدم خارطة طريق حقيقية لتصميم اسلوب حياة يضمن افضل صحة ممكنة لكل فرد بناء على الحمض النووي الخاص به.
وقال الباحثون ان الجينات هي المخطط الاساسي للجسم، وتؤثر في كل شيء، من لون العينين الى كيفية استقلاب الدهون والكربوهيدرات، وعندما يتناول الانسان طعاما معينا، فان المكونات النشطة في هذا الطعام تتفاعل بشكل مباشر مع هذه الجينات، وتؤثر في طريقة تعبيرها او عملها، ومن ثم، فان فهم هذا التفاعل الثنائي هو حجر الزاوية لاي نظام تغذية شخصية فعال ومستدام.
واكد الخبراء ان الوراثة تساهم بشكل كبير في قابلية الشخص للاصابة بالامراض المزمنة مثل السكري من النوع الثاني وامراض القلب والسمنة، لكن هذا لا يعني ان المصير محتوم، حيث ان البيئة، وخاصة الغذاء، تمتلك القوة لتعديل التعبير الجيني، ويشير العلماء الى ان بعض الاغذية يمكن ان تعمل كمفاتيح تشغيل او ايقاف لبعض الجينات التي تزيد من خطر الاصابة بالمرض، وهذه هي القوة الكامنة وراء تحقيق صحة جينية مثالية.
ونوه العلماء ان الدراسات الكلاسيكية كانت تعتمد على اختبار استجابة مجموعات كبيرة من الناس لنظام غذائي موحد، وكانت النتائج غالبا ما تكون متضاربة او غير حاسمة، حيث ان ما ينفع شخصا قد يضر الاخر، والسبب يكمن في الاختلافات الجينية الدقيقة التي تجعل كل شخص يستجيب للطعام بطريقة فريدة ومختلفة عن غيره، والتغذية الجينية جاءت لتقديم حل لهذه المعضلة عبر توفير دايت مخصص لكل حالة.
وبين العلماء ان التغذية الجينية تركز على فهم كيف يؤثر الغذاء في الجينات (Nutrigenomics)، وكيف تؤثر الجينات في استجابة الجسم للمغذيات (Nutrigenetics)، وهذان الجانبان هما وجهان لعملة واحدة، حيث ان الجمع بينهما يتيح للعلماء تحديد الاطعمة والمكملات التي تعظم من التعبير الجيني الايجابي وتقلل من التعبير الجيني السلبي للوصول الى تغذية شخصية دقيقة.
واشار العلماء الى ان هدف دايت مخصص قائم على الجينات ليس فقط منع الامراض، بل تحسين الصحة العامة والاداء البدني والعقلي الى اقصى حد ممكن، وهذا يشمل تحسين مستويات الطاقة، تعزيز التركيز، تحسين جودة النوم، وتعزيز وظيفة جهاز المناعة، ليصبح الغذاء اداة قوية وموجهة نحو تحقيق صحة جينية دائمة.
وشدد العلماء على ان الوصول الى خارطة الجينات الغذائية يتطلب اجراء فحص الحمض النووي الذي يكشف عن المتغيرات الجينية الصغيرة التي تعرف باسم تعددات النوكليوتيد المفردة (SNPs)، هذه المتغيرات هي التي تحدد الاختلافات الفردية في كيفية تعامل الجسم مع المغذيات المختلفة، وهي اساس تصميم الدايت المخصص.
واضاف العلماء ان التغذية الشخصية تختلف تماما عن التغذية التقليدية التي تعتمد على توصيات عامة مثل تقليل الدهون او زيادة الالياف، فالتوصيات الجديدة تصبح دقيقة جدا، على سبيل المثال، قد يوصى شخص ما بتقليل الكافيين تماما بسبب جين معين يبطئ استقلابه، بينما يوصى شخص اخر بتناول المزيد من اوميغا-3 بسبب جين يعزز امتصاصها، كل ذلك ياتي من دراسة الجينات الغذائية.
ووصف العلماء مستقبل التغذية بانها تتجه نحو الدقة المطلقة، حيث لن تكون هناك حمية واحدة تناسب الجميع، بل سيكون لكل انسان دايت مخصص تماما يتناسب مع جيناته، نمط حياته، ومحيطه البيئي، وسيكون هذا النظام قابلا للتعديل والتحديث مع مرور الوقت وتبدل الظروف الصحية للحفاظ على صحة جينية متوازنة.
🔬 المبادئ الرئيسية لعمل (Nutrigenomics)
اكد خبراء بيولوجيا الخلية ان الية عمل التغذية الجينية تعتمد على فهم كيف تتفاعل المركبات النشطة بيولوجيا في الطعام مع عوامل النسخ (Transcription Factors)، وهي بروتينات تتحكم في قراءة الجينات وتحويلها الى تعليمات لوظائف الجسم، فعندما يتناول الانسان طعاما غنيا بمضادات الاكسدة مثلا، فان هذه المضادات قد ترتبط بعامل نسخ معين وتغير من كيفية قراءة جين مرتبط بالالتهاب، مما يعزز الصحة الجينية.
وقال الخبراء ان العملية تبدا بامتصاص المغذيات في الامعاء، ومن ثم تنتقل عبر مجرى الدم الى الخلايا، وبمجرد دخولها الخلية، تبدا هذه الجزيئات الغذائية الصغيرة في التفاعل مع المكونات الخلوية، وتصل في نهاية المطاف الى النواة حيث يقع الحمض النووي (DNA) الذي يحمل كل المعلومات الوراثية.
ونوه الخبراء الى ان بعض المركبات، مثل فيتامين د، او احماض اوميغا-3 الدهنية، لها القدرة على العمل كهرمونات، حيث ترتبط مباشرة بمستقبلات نووية معينة، وهذه المستقبلات بدورها ترتبط بمناطق محددة في الحمض النووي لتشغيل او اطفاء جينات معينة مسؤولة عن عمليات حيوية مثل التمثيل الغذائي او الاستجابة المناعية، وهذا هو جوهر الدايت المخصص.
وبين الخبراء ان فهم التاثيرات البيئية على الجينات يعرف باسم علم التخلق (Epigenetics)، وهو الجسر الذي يربط بين الغذاء والتعبير الجيني، التخلق يشمل تغييرات كيميائية صغيرة تطرا على الحمض النووي، مثل مثيلة الحمض النووي (DNA Methylation)، وهذه التغييرات لا تغير الشفرة الجينية نفسها، ولكنها تغير كيفية قراءتها وتطبيقها.
واشار الخبراء الى ان المغذيات الدقيقة مثل فيتامينات ب والمعادن مثل الزنك والمغنيسيوم هي عناصر اساسية في عملية التخلق، فهي بمثابة الوقود الذي تحتاجه الانزيمات لاضافة او ازالة العلامات الكيميائية على الحمض النووي، وهذا يعني ان نقص اي من هذه المغذيات يمكن ان يعطل التنظيم الصحيح للجينات، ويؤثر سلبا في الصحة الجينية.
وشدد الخبراء على ان مفهوم المناطق الساخنة في الحمض النووي، حيث تتركز المتغيرات الجينية الشائعة، هو ما يشكل الاساس لاختبارات التغذية الجينية، فمثلا، جين FTO يرتبط بالسمنة، وجين APOE يرتبط بكيفية معالجة الدهون والكوليسترول، ومعرفة حالة هذه الجينات تسمح بتقديم توصيات تغذية شخصية دقيقة وموجهة.
واضاف الخبراء ان المتغيرات الجينية في جينات مثل MTHFR، المسؤولة عن عملية التمثيل الغذائي للفولات، يمكن ان تؤثر بشكل كبير في حاجة الشخص الى فيتامينات معينة، اذا كان لدى الشخص نسخة اقل كفاءة من هذا الجين، فقد يحتاج الى شكل معين من الفولات (الميثيل فولات) لضمان عملية مثيلة الحمض النووي السليمة.
ووصف الخبراء الجينوم البشري بانه ليس مجموعة ثابتة من الاوامر، بل هو لوحة تحكم ديناميكية يمكن تعديلها وتوجيهها من خلال الاختيارات الغذائية، كل وجبة وكل عنصر غذائي هو رسالة نرسلها الى خلايانا، ونحن الان نمتلك الادوات لضمان ان هذه الرسائل ايجابية وبناءة لتصميم افضل دايت مخصص ممكن.
🧬 تفكيك الشفرة (SNPs) وتأثيرها في التمثيل الغذائي
اكد علماء البيولوجيا الخلوية ان فهم خارطة الجينات الغذائية يبدا بتفكيك الشفرة الجينية الدقيقة التي تحدد التباين البشري في الاستجابة للاطعمة، وهذه الشفرة ليست معقدة كما يتصور البعض، بل تتركز في نقاط تغيير صغيرة تعرف باسم تعددات النوكليوتيد المفردة (SNPs)، هذه التعددات هي التي تخبر الجسم كيف يتعامل مع الدهون والكربوهيدرات والفيتامينات، بل وحتى السموم البيئية لتحقيق افضل صحة جينية.
وقال الخبراء ان اختبارات الحمض النووي التي تتم لغرض التغذية الشخصية لا تقوم بقراءة الجينوم الكامل، بل تركز على الاف من هذه الـ SNPs الحرجة، والتي تقع داخل او بالقرب من الجينات المسؤولة عن العمليات الايضية، وعلى سبيل المثال، فان وجود متغير SNP معين في جين مرتبط بالالتهاب قد يجعل الشخص اكثر عرضة للاستجابة الالتهابية عند تناول كميات كبيرة من السكر المكرر.
ونوه العلماء الى ان احد اهم المجالات التي يضيئها علم الجينات الغذائية هو التمثيل الغذائي للدهون، والذي يختلف جذريا من شخص لاخر، فالبعض يمكن ان يتناول دهونا مشبعة بكميات معتدلة دون ان يؤثر ذلك في مستويات الكوليسترول الضار لديه، بينما قد يتسبب نفس القدر من الدهون في رفع مستوياته بشكل كبير لدى شخص اخر يحمل متغيرا جينيا مختلفا، مما يستدعي دايت مخصص.
وبين العلماء ان الجين APOE هو المثال الاكثر شيوعا، فمتغيراته (E2، E3، E4) تؤثر في كيفية معالجة الجسم للدهون ونقلها، وحاملو نسخة APOE4، مثلا، قد يكونون اكثر عرضة لارتفاع الكوليسترول والاصابة بامراض القلب والزهايمر عند اتباعهم نظاما غذائيا غنيا بالدهون المشبعة، بينما لا يواجه حاملو APOE2 نفس التحدي، وهذا يوضح حاجة التغذية الشخصية.
واشار العلماء الى ان هذه المعرفة الجينية تقلب النظريات الغذائية القديمة التي كانت تطلق توصيات معممة لـ تقليل الدهون المشبعة للجميع، بدلا من ذلك، اصبح بالامكان القول لشخص معين: انت تحتاج الى استبدال الدهون المشبعة بالدهون الاحادية غير المشبعة (مثل زيت الزيتون والافوكادو) لتقليل مخاطرك الصحية بناء على جيناتك، وهذا هو جوهر التغذية الشخصية.
وشدد العلماء على ان تحديد هذه المتغيرات الجينية يمنح الشخص قوة التنبؤ، اي معرفة اي الاطعمة تشكل خطرا وايها يمثل حصنا واقيا له على المدى الطويل، وهذا يجعل من عملية اتخاذ القرارات الغذائية عملية علمية وموضوعية وليست مجرد تخمين او اتباع لنصيحة شائعة قد لا تكون مناسبة بيولوجيا له لتحقيق صحة جينية مستدامة.
واضاف العلماء ان التغذية الشخصية لا تنفصل عن الحياة اليومية، بل انها توفر ارشادات عملية، مثل افضل توقيت لتناول الكربوهيدرات، او الكمية المثالية من البروتين التي يحتاجها الجسم لبناء العضلات، كل ذلك يتم احتسابه بناء على كفاءة الجينات المسؤولة عن امتصاص واستخدام هذه المغذيات الكبرى لتصميم دايت مخصص دقيق.
ووصف العلماء مستقبل الصحة بانه سيكون قائما على هذا التكامل، حيث سيتم دمج تحليل الجينات مع تحليل الميكروبيوم المعوي (بكتيريا الامعاء) والتحاليل الايضية الاخرى للحصول على صورة كاملة ودقيقة تتيح رسم الخارطة الغذائية المثلى لكل مرحلة عمرية وصحية يمر بها الانسان، مع الالتزام بنتائج فحص الحمض النووي.
🔬 أهمية الفحص الجيني في التغذية الشخصية
اكد خبير البيولوجيا الخلوية الدكتور ريتشارد ماثيوز، وهو استاذ في علم الجينوم البشري بجامعة كالتك في الولايات المتحدة، ان عملية فحص الجينات الغذائية بسيطة جدا في جوهرها، حيث انها تتطلب فقط عينة بسيطة من اللعاب او مسحة من داخل الخد، ويتم استخلاص الحمض النووي من هذه الخلايا لتحليلها في المختبر.
وقال الدكتور ماثيوز: "نحن لا نقوم بقراءة كل 3 مليارات زوج من القواعد النيتروجينية، بل نركز على نقاط محددة جدا تعرف باسم SNPs"، واكد ان هذه الـ SNPs هي نقاط التباين الرئيسية التي تجعلنا مختلفين، وهي بمثابة حرف واحد مختلف في كلمة طويلة، لكن هذا الحرف الواحد يغير معنى الجملة بالكامل فيما يتعلق بوظيفة الجين المسؤولة عن الصحة الجينية.
ونوه الدكتور ماثيوز بان التقنيات الحديثة تعتمد على صفائف الحمض النووي (DNA Arrays) او التسلسل الجيني المستهدف، حيث يتم تضخيم مناطق الجينوم التي تحتوي على الـ SNPs ذات الاهمية الغذائية المعروفة، ومن ثم يتم قراءة المتغير الجيني الذي يحمله الفرد في كل موقع لتقديم تغذية شخصية فعالة.
وبين الدكتور ماثيوز ان كل SNP يتم فحصه يعطي نتيجتين، واحدة من الاب وواحدة من الام، على سبيل المثال، في جين معين، قد يحمل الشخص نسخة "C" من الاب ونسخة "T" من الام، وهذا النمط الجيني (Genotype) يؤثر في كفاءة الانزيم الذي ينتجه هذا الجين، ومن ثم يؤثر في كيفية استقلاب الغذاء، ويساهم في تصميم الدايت المخصص.
واشار الدكتور ماثيوز الى ان نتائج هذه التحاليل يتم مقارنتها بقواعد بيانات جينية واسعة تربط متغيرا جينيا معينا بمخاطر او فوائد غذائية محددة، واضاف: "عملنا الاساسي هو ترجمة هذه اللغة الجينية المعقدة الى توصيات غذائية عملية وواقعية يمكن تطبيقها في المطبخ، وهذا هو جوهر علم التغذية الشخصية القائم على الحمض النووي".
وشدد الدكتور ماثيوز على ان دقة الاختبارات الجينية عالية جدا، لكن التحدي الاكبر يكمن في التفسير، حيث يجب ان يتم التفسير من قبل متخصصين يفهمون كيف تتفاعل الجينات المختلفة معا، وكيف تتداخل مع العوامل البيئية والحياتية الاخرى لضمان سلامة الصحة الجينية وتجنب اي توصيات خاطئة.
🔬 جين (FTO) وتأثير التغذية الشخصية
اكدت دراسة علمية نشرت في المجلة الامريكية للتغذية السريرية (American Journal of Clinical Nutrition) ان فهم المتغيرات الجينية يمكن ان يكون حاسما في تحديد مدى نجاح الحميات الخاصة بانقاص الوزن، وركزت الدراسة على جين FTO (Fat Mass and Obesity-Associated Gene)، وهو الجين الاكثر ارتباطا بالوزن وكتلة الدهون في الجسم في سياق الجينات الغذائية.
وقال الباحثون ان المتغيرات الاكثر شيوعا لـ FTO ترتبط بزيادة الشعور بالجوع، وزيادة الرغبة في تناول الاطعمة عالية السعرات الحرارية، وانخفاض الشعور بالشبع بعد الوجبات، وهذا يعني ان حاملي هذه المتغيرات لديهم "نضال بيولوجي" اكبر ضد السمنة مقارنة بغيرهم، مما يستدعي دايت مخصص لمواجهة هذا الميل.
ونوه الباحثون الى ان الدراسة شملت اكثر من 200 الف شخص، واظهرت ان الاشخاص الذين يحملون النسخة الخطرة من جين FTO كانوا اكثر عرضة لزيادة الوزن، لكن المثير للاهتمام هو ان هذه الزيادة كانت قابلة للعكس من خلال تغييرات سلوكية محددة، مما يؤكد على قوة التغذية الشخصية كعامل بيئي متحكم.
وبين الباحثون ان التدخل الغذائي الاكثر فاعلية للاشخاص الذين يحملون متغير FTO كان يعتمد على اتباع نظام غذائي عالي البروتين، حيث ان البروتين يساهم في زيادة الشعور بالشبع ويساعد في تنظيم مستويات سكر الدم، وبالتالي، يقلل من الرغبة الشديدة في تناول الطعام التي يسببها الجين، وهذا دليل عملي على فعالية الدايت المخصص.
واشار الباحثون الى ان نتائج الدراسة توصلت الى ان اتباع حمية غنية بالبروتين كان قادرا على الغاء التاثير الجيني السلبي لـ FTO على مؤشر كتلة الجسم (BMI)، وهذا دليل قوي على ان الجينات ليست قدرا محتوما، بل هي مجرد ميل بيولوجي يمكن تعديله بواسطة النظام الغذائي المخصص للحفاظ على الصحة الجينية.
وشدد الباحثون على ان هذا يؤكد ان الحمية الغذائية ليست حلا واحدا يناسب الجميع، بل ان الشخص الذي لديه متغير FTO يحتاج الى استراتيجية مختلفة (كالتركيز على البروتين) مقارنة بشخص اخر لديه مشكلة في التمثيل الغذائي للكربوهيدرات بسبب جين مختلف، وهذا يبرز اهمية دراسة الجينات الغذائية.
واضاف الباحثون ان المستقبل يتجه نحو تزويد اخصائيي التغذية بادوات تشخيص جيني، لتمكينهم من تصميم برامج فقدان وزن دقيقة لا تعتمد على التجربة والخطا، بل على اساس بيولوجي صلب، مما يرفع معدلات النجاح ويحسن الالتزام بالحمية على المدى الطويل، كل ذلك يتم عبر تحليل الحمض النووي.
🔬 استقلاب الكربوهيدرات والرياضة الجينية
اكدت الابحاث الحديثة في علم التغذية الجينية ان كفاءة الجسم في التعامل مع الكربوهيدرات تختلف بشكل كبير بين الافراد، وهذا التباين ليس له علاقة بالارادة او الانضباط الغذائي، بل هو نتيجة مباشرة للمعلومات المشفرة داخل الحمض النووي، والتي تحدد سرعة وكفاءة عمل الانزيمات المسؤولة عن تكسير السكريات وتحويلها الى طاقة.
وقال الخبراء ان بعض الاشخاص يمتلكون جينات تجعلهم مستجيبين جيدين للكربوهيدرات، مما يعني ان اجسامهم تستطيع استخدام السكريات كمصدر للطاقة بكفاءة عالية دون ان يتسبب ذلك في ارتفاعات حادة في سكر الدم او تخزينها كدهون، هؤلاء الاشخاص يمكنهم اتباع نظام غذائي متوازن يحتوي على نسبة اعلى من الكربوهيدرات المعقدة كجزء من التغذية الشخصية لديهم.
ونوه الخبراء الى ان على الجانب الاخر، يمتلك البعض متغيرات جينية تجعلهم مستجيبين سيئين للكربوهيدرات، مما يؤدي الى ما يعرف بـ مقاومة الانسولين الجينية، فبالنسبة لهؤلاء، فان تناول كميات متوسطة من الكربوهيدرات قد يؤدي الى مستويات اعلى من تخزين الدهون ومخاطر الاصابة بالسكري من النوع الثاني، وهذا يتطلب دايت مخصص منخفض الكربوهيدرات.
وبين الخبراء ان جين TCF7L2 هو احد اهم الجينات في هذا السياق، حيث يرتبط هذا الجين بتنظيم سكر الدم ووظيفة خلايا بيتا في البنكرياس، والمتغيرات غير المواتية في هذا الجين تضاعف بشكل كبير خطر الاصابة بالسكري، وهذا يقدم دليلا حاسما على ضرورة تكييف الدايت المخصص بناء على تحليل الجينات الغذائية.
واشار الخبراء الى ان التوصيات المستندة الى التغذية الشخصية لهؤلاء الافراد تشمل تقليل الكربوهيدرات المكررة بشكل جذري والتركيز على الكربوهيدرات ذات المؤشر الجلايسيمي المنخفض جدا، مثل الخضروات غير النشوية، لادارة استجابة الانسولين بفاعلية والحفاظ على صحة جينية مثالية.
وشدد الخبراء على ان التحليل الجيني يذهب الى ما هو ابعد من مجرد التغذية، ليشمل الصحة الجينية في سياق الاداء الرياضي، فجينات مثل ACTN3 المعروفة باسم "جين السرعة" تحدد نوع الياف العضلات المهيمنة لدى الشخص، مما يؤثر في استجابته لتمارين القوة او تمارين التحمل.
واضاف الخبراء ان الشخص الذي يحمل متغيرا جينيا يدعم الياف العضلات السريعة الانقباض (المفيدة لتمارين القوة) قد يستفيد بشكل اكبر من تدريبات المقاومة العالية، بينما الشخص الذي يحمل متغيرا يدعم الياف العضلات البطيئة الانقباض قد يتالق في رياضات التحمل مثل الماراثون، وهذا يمثل قمة في تخصيص نمط الحياة.
ووصف الخبراء هذا التكامل بين الغذاء والنشاط البدني بانه يمثل المستقبل الشامل للصحة الوقائية، حيث يتم استخدام معلومات الحمض النووي لرسم خطة حياة متكاملة تشمل ليس فقط ماذا تاكل (التغذية)، ولكن ايضا كيف تتحرك (الرياضة)، لضمان ان كل جهد يبذله الفرد يحقق اقصى عائد بيولوجي ممكن.
🔬 جينات الالتهاب والامراض المزمنة
اكدت الابحاث في الجينات الغذائية ان الالتهاب المزمن الصامت هو المحرك الرئيسي لمعظم الامراض المزمنة، بما في ذلك امراض القلب والزهايمر والسرطان، وان الاستعداد الجيني للشخص يلعب دورا كبيرا في تحديد مدى قوة او ضعف استجابته الالتهابية عند التعرض لمحفزات بيئية مثل الاطعمة غير الصحية او التوتر.
وقال الخبراء ان جينات مثل CRP (البروتين التفاعلي C) و IL-6 (انترلوكين 6) هي مؤشرات قوية للاستعداد الالتهابي، فالمتغيرات الجينية في هذه المواقع يمكن ان تزيد من مستويات الالتهاب الاساسي في الجسم، حتى في غياب اي عدوى واضحة، وهذا يتطلب نهج تغذية شخصية مضاد للالتهاب.
ونوه الخبراء الى ان فحص الحمض النووي يمكن ان يكشف عن الحاجة المفرطة لاحماض اوميغا-3 الدهنية المضادة للالتهاب، فبعض الجينات تؤثر في قدرة الجسم على تحويل احماض اوميغا-3 قصيرة السلسلة (من مصادر نباتية) الى اشكالها النشطة EPA و DHA، وهي المسؤولة عن اطفاء الالتهاب.
وبين الخبراء ان الاشخاص الذين يعانون من ضعف في هذه الجينات التحويلية قد يحتاجون الى تناول جرعات اعلى من اوميغا-3 الجاهزة (من مصادر بحرية او مكملات) لتخفيف العبء الالتهابي، وهذا يوضح كيف ان الدايت المخصص يتجاوز النصيحة العامة ويصبح تدخلا طبيا موجها لتحسين الصحة الجينية.
واشار الخبراء الى ان دراسة الجينات الغذائية تكشف ايضا عن الحساسيات الغذائية الوراثية، مثل عدم تحمل اللاكتوز او حساسية الغلوتين غير الداء الزلاقي (Non-Celiac Gluten Sensitivity)، حيث ان متغيرات جينية معينة تجعل الامعاء اكثر عرضة للالتهاب عند تناول هذه المكونات.
وشدد الخبراء على ان تجنب الاطعمة التي يحددها الفحص الجيني كمحفزات التهابية هو الخطوة الاولى في برنامج التغذية الشخصية الهادف الى خفض الالتهاب المزمن، مما يقلل بشكل فعال من خطر الاصابة بالعديد من الامراض المرتبطة بالعمر والاسلوب الحياتي.
واضاف الخبراء ان التاثير المزدوج للجينات والبيئة واضح هنا، فالاستعداد الجيني للالتهاب لا يصبح خطرا حقيقيا الا عندما يتم تفعيله عن طريق نمط حياة او نظام غذائي غير مناسب بيولوجيا للفرد، مما يؤكد ان الصحة الجينية قابلة للتعديل والتحسين.
🔬 جينات ازالة السموم
قال الدكتور مارك هاريسون، وهو طبيب متخصص في الغدد الصماء والتمثيل الغذائي في عيادة كليفلاند الامريكية، ان احد اكثر الجوانب اهمية في التغذية الشخصية هو قدرة الجسم على ازالة السموم، او ما يعرف بـ التخلص من السموم (Detoxification)، هذه العملية معقدة وتتحكم بها مجموعة كبيرة من الجينات.
واكد الدكتور هاريسون اننا نعيش في بيئة مليئة بالمركبات الكيميائية والسموم البيئية، وتعتمد قدرة اجسامنا على التخلص من هذه السموم على كفاءة الانزيمات التي تنتجها جينات مثل عائلة CYP450 وجينات الجلوتاثيون اس-ترانسفيراز (GST)، هذه الانزيمات تعمل كمحركات لطرد السموم.
ونوه الدكتور هاريسون بان فحص الحمض النووي يمكن ان يكشف عن ما اذا كان الشخص لديه متغيرات جينية تجعل هذه الانزيمات اقل كفاءة في العمل، فبعض الناس هم مطهرون بطيئون (Slow Detoxifiers) ويكونون بالتالي اكثر عرضة لتراكم السموم في الجسم، مما يؤثر سلبا في الصحة الجينية ويزيد من خطر الامراض.
وبين الدكتور هاريسون ان التوصية الغذائية في هذه الحالة تتجاوز نصيحة الدايت المخصص العادي، بل تصبح امرا حيويا، حيث يجب على هؤلاء الافراد التركيز بشكل كبير على الاغذية التي تدعم هذه المسارات البطيئة لازالة السموم، مثل الخضروات الصليبية (البروكلي والقرنبيط) والثوم والبصل.
واشار الدكتور هاريسون الى ان هذه الاطعمة تحتوي على مركبات كبريتية وغلوكوزينولات تدعم عمل انزيمات ازالة السموم بشكل مباشر، واضاف: "نحن هنا لا نعالج مرضا ظاهرا، بل نقوم بتعويض نقص وظيفي جيني مزمن عبر التغذية الشخصية، وهذا يمثل قمة الطب الوقائي الموجهة".
وشدد الدكتور هاريسون على ان فحص الجينات الغذائية يوضح ان الحاجة الى دعم ازالة السموم تختلف بين الافراد، فالشخص الذي لديه جينات ازالة سموم فعالة قد لا يحتاج الى نفس الدعم الغذائي المكثف الذي يحتاجه الشخص الذي لديه انزيمات ابطا بكثير.
🔬 فاعلية الكافيين والجينات
اكدت دراسة سريرية هامة نشرت في المجلة البريطانية للتغذية (British Journal of Nutrition) على ان التاثيرات الصحية والايضية للكافيين تختلف اختلافا كبيرا بين الافراد بناء على متغيرات جينية محددة، مما يبرز مثالا واضحا اخر على اهمية التغذية الشخصية.
وقال الباحثون ان جين CYP1A2 هو الجين الرئيسي المسؤول عن استقلاب الكافيين في الكبد، وهو يتحكم في السرعة التي يتم بها تكسير الكافيين واخراجه من الجسم، ويحمل الافراد اما نسخا تجعلهم مستقلبين سريعين او نسخا تجعلهم مستقلبين بطيئين للكافيين.
ونوه الباحثون الى ان الدراسة قارنت مجموعتين من الافراد عند تناولهم القهوة، واظهرت ان المستقلبين البطيئين الذين يتناولون كميات كبيرة من القهوة (اكثر من 3 اكواب يوميا) كانوا اكثر عرضة للاصابة بنوبة قلبية، بينما لم يظهر هذا الخطر على المستقلبين السريعين حتى عند تناول كميات اكبر.
وبين الباحثون ان الكافيين يبقى في جسم المستقلب البطيء لفترة اطول بكثير، مما يزيد من مستوياته في الدم ويطيل من تاثيراته السلبية على ضغط الدم ومعدل ضربات القلب، وهذا يجعل من تناول القهوة خطرا صحيا يهدد الصحة الجينية للقلب.
واشار الباحثون الى ان التوصية المستخلصة من هذه الدراسة تؤكد ان دايت مخصص يجب ان يتضمن ارشادات واضحة بشان استهلاك الكافيين، حيث ان المستقلبين البطيئين يجب عليهم الحد من تناول الكافيين بشكل كبير، بينما يمكن للمستقلبين السريعين الاستمتاع بفوائد القهوة دون قلق كبير.
وشدد الباحثون على ان هذه النتائج توضح ان الغذاء ليس محايدا، بل هو سلاح ذو حدين، حيث ان نفس المشروب (القهوة) يمكن ان يكون حاميا للقلب لشخص وخطيرا على حياته لشخص اخر، وهذا يعكس القوة التفسيرية لـ الجينات الغذائية.
واضاف الباحثون ان هذه المنهجية الجينية تمتد لتشمل التدخلات الدوائية كذلك، حيث ان جين CYP1A2 لا يستقلب الكافيين فقط، بل يستقلب ايضا بعض الادوية، مما يجعل التغذية الشخصية جزءا لا يتجزا من الرعاية الطبية الشاملة.
🔬 المكملات الفردية وخرائط الفيتامينات الجينية
اكدت الابحاث في علم التغذية الجينية ان واحدة من اكبر الاخطاء الشائعة في التغذية الحديثة هي تناول المكملات الغذائية والفيتامينات بشكل عشوائي، حيث ان الحاجة الفعلية والجرعة المثالية لاي فيتامين او معدن يتم تحديدها بشكل دقيق من خلال فحص الحمض النووي للفرد، وهذا يمثل قمة التخصيص في التغذية الشخصية.
وقال الخبراء ان جينات مثل VDR (Vitamin D Receptor) تلعب دورا محوريا في تحديد كفاءة استخدام الجسم لفيتامين د، هذا الفيتامين المعروف بتاثيره على صحة العظام والمناعة والمزاج لا يعمل بشكل جيد ما لم ترتبط به مستقبلاته الجينية، والمتغيرات في هذا الجين يمكن ان تجعل المستقبلات اقل حساسية للفيتامين.
ونوه الخبراء الى ان الشخص الذي يحمل متغيرا جينيا يقلل من حساسية مستقبلات فيتامين د قد يحتاج الى مستويات اعلى بكثير من الفيتامين في الدم لتحقيق نفس التاثير البيولوجي الذي يحققه شخص اخر بمستويات طبيعية، وهذا يعني ان الجرعة القياسية الموصى بها لا تكفي للحفاظ على الصحة الجينية في هذه الحالة.
وبين الخبراء ان دراسة الجينات الغذائية تكشف ايضا عن حالات سوء الامتصاص الجيني، فمثلا، جينات معينة تؤثر في قدرة الامعاء على امتصاص الحديد او فيتامين ب12، مما يفسر سبب استمرار بعض الاشخاص في المعاناة من النقص حتى عند تناولهم نظاما غذائيا يبدو غنيا بهذه العناصر.
واشار الخبراء الى ان الدايت المخصص القائم على الجينات يوفر توصيات دقيقة ليست فقط حول كمية الفيتامين، بل حول الشكل الذي يجب تناوله، فمثلا، الاشخاص الذين لديهم مشاكل في جين MTHFR (كما ذكرنا سابقا) يحتاجون الى مكملات الميثيل فولات (الشكل النشط) بدلا من حمض الفوليك العادي.
وشدد الخبراء على ان هذا التخصيص الجيني يضمن ان كل مكمل يتم تناوله هو بالفعل ضرورة بيولوجية وليس مجرد زيادة عشوائية، وهذا يحسن من كفاءة الانفاق على المكملات ويقلل من مخاطر تراكم بعض الفيتامينات والمعادن في الجسم والتي قد تكون سامة في حال تراكمها.
واضاف الخبراء ان بناء برنامج مكملات يعتمد على الحمض النووي هو الخطوة الاكثر تقدما في الرعاية الصحية، حيث يتحول دور اخصائي التغذية من مجرد موصي الى مهندس بيولوجي يصحح الاختلالات الجينية الدقيقة من خلال العناصر الغذائية المركزة.
ووصف الخبراء علم Nutrigenomics بانه يقدم الاساس العلمي لتجنب اتباع مبدا القياس الواحد يناسب الجميع في عالم المكملات، ويؤكد على ان الجرعة المثالية هي جرعة شخصية وفردية جدا تعكس الاحتياجات البيولوجية المحددة لكل شخص للحفاظ على صحة جينية دائمة.
🔬 التخصيص الجيني للميكروبيوم المعوي
اكد الباحثون ان العلاقة بين الجينات الغذائية وبكتيريا الامعاء (الميكروبيوم) هي احد اكثر المجالات اثارة للاهتمام حاليا، حيث تؤثر جينات الفرد في بيئة الامعاء الدقيقة، والتي بدورها تحدد كيفية استخراج الطاقة والمغذيات من الطعام.
وقال الباحثون ان جينات الانسان يمكن ان تؤثر في عوامل مثل افراز حمض المعدة، وسرعة الحركة المعوية، وانتاج المخاط الذي يغطي جدار الامعاء، وكل هذه العوامل تخلق بيئة فريدة تساهم في نمو انواع معينة من البكتيريا وتثبيط انواع اخرى.
ونوه الباحثون الى ان بعض المتغيرات الجينية قد تجعل الشخص اكثر عرضة لاضطرابات الامعاء الالتهابية او القولون العصبي، ليس فقط بسبب الاطعمة نفسها، ولكن بسبب كيفية معالجة الامعاء لهذه الاطعمة بتوجيه من الحمض النووي وبمساعدة الميكروبيوم.
وبين الباحثون ان نهج الدايت المخصص يتطور ليشمل توصيات خاصة بالبروبيوتيك والبريبايوتك (مغذيات البكتيريا)، حيث يتم اختيار سلالات معينة من البكتيريا بناء على ما هو معروف عن قدرتها على التفاعل مع الانزيمات الجينية للشخص وتحسين الاستقلاب.
واشار الباحثون الى ان التغذية الشخصية في هذا السياق تعني توصيات مثل الاكثار من الالياف القابلة للتخمر لتعزيز انتاج الاحماض الدهنية قصيرة السلسلة (مثل البيوتيرات)، وهي مغذيات حيوية لخلايا القولون والمناعة، ويتم ذلك بتحديد كمية ونوع الالياف المناسبة بيولوجيا.
وشدد الباحثون على ان فهم العلاقة المتبادلة بين جينات المضيف وميكروبيوم الامعاء هو المفتاح لفتح فصول جديدة في علاج السمنة، حيث اثبتت الدراسات ان بعض الانواع البكتيرية تزيد من كفاءة استخلاص السعرات الحرارية من الطعام، وهذا يمكن ان يكون له تاثير مضاعف لمن لديه استعداد جيني للسمنة (مثل جين FTO).
واضاف الباحثون ان الصحة الجينية المثالية تتطلب بيئة امعاء متوازنة، والوصول الى هذا التوازن يتطلب ارشادات غذائية دقيقة تعترف بان استجابة الامعاء للحمية الغذائية هي عملية مشتركة بين الجينات والبكتيريا، وهذا يوسع من نطاق علم Nutrigenomics.
🔬 التفاعلات الجينية المعقدة
قال الدكتور ليام اوكونور، وهو باحث في علم الوراثة البشرية وعلوم التغذية بجامعة ادنبره، ان التحدي الاكبر في التغذية الشخصية يكمن في التعامل مع التفاعلات الجينية المعقدة، فالصحة ليست محكومة بجين واحد فقط، بل بمئات او الاف الجينات التي تعمل في تناغم او تصارع.
واكد الدكتور اوكونور: "عندما ننظر الى جين APOE (المتعلق بالدهون) وجين MTHFR (المتعلق بالفيتامينات) معا، نكتشف ان العلاقة بينهما قد تغير تماما التوصية النهائية"، واضاف ان وجود متغير APOE4 (خطر مرتفع للكوليسترول) مع ضعف في جين MTHFR (ضعف في المثيلة) يتطلب خطة اكثر حذرا وشمولية.
ونوه الدكتور اوكونور بان الدايت المخصص في هذه الحالة يجب ان يكون مزدوج التاثير، اي انه يجب ان يخفض الدهون المشبعة بشكل كبير بسبب APOE4، وفي نفس الوقت يجب ان يكون غنيا بالمغذيات الداعمة للمثيلة مثل الكولين والميثيل فولات بسبب MTHFR، وهذا هو عمق عمل الجينات الغذائية.
وبين الدكتور اوكونور ان هذا النهج الشمولي، القائم على فهم التفاعل بين المسارات الايضية المختلفة، هو ما يميز التغذية الجينية المتقدمة عن مجرد فحص جين واحد، وهو يضمن ان تكون توصيات التغذية الشخصية متكاملة ولا تتسبب في اختلالات بيولوجية اخرى.
واشار الدكتور اوكونور الى ان التركيز على الوقاية الجينية هو الهدف الاسمي، فمن خلال تعديل النظام الغذائي قبل ظهور الاعراض، يمكننا ان نمنع التعبير السلبي لهذه التفاعلات المعقدة، فمعرفة ان لديك استعدادا جينيا لالتهاب المفاصل لا يعني انك ستصاب به، بل يعني ان لديك خارطة طريق لتجنبه.
وشدد الدكتور اوكونور على ان الاداة الاكثر قوة في يد اخصائي التغذية هي القدرة على تفسير تداخل الجينات، ومن هنا تاتي اهمية تدريب المهنيين الصحيين على فهم تعقيدات الحمض النووي وكيفية ترجمتها الى استراتيجيات غذائية واقعية وناجحة لضمان الصحة الجينية.
🔬 الجينات والمخاطر السلوكية
اكدت دراسة بحثية نشرت في مجلة الطب التكميلي والبديل المعتمد على الادلة (Evidence-Based Complementary and Alternative Medicine) ان الجينات لا تؤثر فقط في كيفية استقلاب الطعام، بل تؤثر ايضا في سلوكيات الاكل والادمان على انواع معينة من الاغذية، مما يضيف بعدا جديدا الى التغذية الشخصية.
وقال الباحثون ان جينات مثل DRD2 و OPRM1 المرتبطة بنظام المكافاة في الدماغ (Dopamine Reward System) تؤثر في مدى استمتاع الشخص بتناول الاطعمة اللذيذة (مثل السكر والدهون) ودرجة احتمالية ادمانه عليها، وهذا التاثير الجيني يجعل مقاومة الاغراء اصعب بكثير لبعض الافراد.
ونوه الباحثون الى ان الافراد الذين لديهم متغيرات جينية تجعل نظام المكافاة لديهم اقل حساسية قد يحتاجون الى كميات اكبر من الاطعمة المحفزة للشعور بالرضا، مما يدفعهم الى الافراط في تناول الطعام، وخصوصا الاطعمة عالية السعرات الحرارية، وهذا يشكل تحديا حقيقيا للالتزام باي دايت مخصص.
وبين الباحثون ان التغذية الجينية لا تقدم فقط توصيات غذائية، بل تقدم ايضا استراتيجيات سلوكية مصممة وراثيا، فبالنسبة لمن لديه ميل جيني للادمان الغذائي، قد تتضمن التوصيات استبدال الاطعمة المحفزة بمحفزات اخرى لا تضر بصحته الجينية، او اعتماد تقنيات اليقظة الذهنية الاكثر فاعلية في التحكم بالسلوك الجيني.
واشار الباحثون الى ان فهم الاساس الجيني لسلوك الاكل يزيل وصمة العار النفسية عن فشل الحمية، حيث لم يعد الامر مجرد ضعف في الارادة، بل هو ميل بيولوجي يحتاج الى تدخل بيولوجي وسلوكي دقيقين يتم تحديدهما من خلال فحص الحمض النووي.
وشدد الباحثون على ان دمج علم السلوكيات الجينية مع الجينات الغذائية يمثل خطوة هامة نحو تطوير برامج شاملة لادارة الوزن والامراض المزمنة، مما يعزز الفاعلية الطويلة الامد لخطط التغذية الشخصية ويدعم الصحة الجينية للفرد بشكل كامل.
🔬 الدفعة الخامسة: تكنولوجيا (Nutrigenomics) والطب الدقيق
اكد خبراء التكنولوجيا الحيوية ان علم الجينات الغذائية يقود حاليا ثورة حقيقية في مجال الطب الدقيق، حيث ان القدرة على ربط المتغيرات الجينية الفردية بمتطلبات غذائية محددة قد حولت التغذية من فن الى علم قائم على البيانات، وهذا التخصص يستفيد من التقدم الهائل في تحليل الحمض النووي والمعلوماتية الحيوية.
وقال الخبراء ان التقدم في تكنولوجيا التسلسل الجيني اصبح سريعا ومتاحا بتكلفة اقل بكثير مما كان عليه في السابق، مما جعل فحص الحمض النووي ليس مجرد اداة بحثية، بل اداة تشخيصية يمكن استخدامها على نطاق واسع لتصميم خطط تغذية شخصية لاعداد كبيرة من الناس حول العالم.
ونوه الخبراء الى ان اهمية البيانات تكمن في القدرة على تحليل ملايين من الـ SNPs في وقت واحد ومقارنتها بقواعد بيانات سريرية ضخمة، وهذا يسمح بوضع نماذج تنبؤية دقيقة للغاية تحدد خطر الاصابة بامراض معينة (مثل امراض القلب او السكري) وتوصي بـ الدايت المخصص للحد من هذه المخاطر الجينية.
وبين الخبراء ان تطوير المنصات الحاسوبية المتقدمة اصبح ضروريا لترجمة هذه البيانات الجينية المعقدة الى توصيات سهلة الفهم للاخصائيين والافراد العاديين، هذه المنصات تستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي لدمج نتائج الجينات مع عوامل اخرى مثل نمط الحياة، النشاط البدني، والبيانات الصحية الحديثة للمستخدم.
واشار الخبراء الى ان ظهور ما يعرف بـ الاجهزة القابلة للارتداء (Wearable Devices) والتي تقيس مستويات الجلوكوز او معدل ضربات القلب بشكل مستمر، يمثل اضافة قيمة لبرامج التغذية الشخصية، حيث توفر هذه الاجهزة بيانات بيئية لحظية يتم دمجها مع المعلومات الجينية الثابتة لتقديم توصيات ديناميكية.
وشدد الخبراء على ان هذه التكنولوجيا المتقدمة تسمح بتنفيذ مفهوم الدايت المخصص بفعالية غير مسبوقة، فمثلا، قد توصي المنصة شخصا ما بتناول وجبة معينة في وقت محدد بناء على جيناته وقراءة لحظية لمستويات سكر الدم لديه، مما يضمن تحقيق اقصى قدر من الفائدة الصحية.
واضاف الخبراء ان التكامل بين علم Nutrigenomics وتكنولوجيا البيانات الضخمة (Big Data) يفتح الباب امام ابحاث متقدمة في مجال الصحة الجينية، حيث يمكن تحليل استجابات مجموعات جينية معينة لتدخلات غذائية مختلفة، مما يعزز من قاعدة الادلة العلمية التي يقوم عليها هذا المجال.
ووصف الخبراء مستقبل التغذية الجينية بانه سيكون موجها تماما بالفرد، حيث سيصبح الغذاء دواء موصوفا بدقة فائقة، يتم اختياره بناء على شفرة الحمض النووي الخاصة بالشخص، مما يضمن الانتقال من العلاج الى الوقاية الفعالة والموجهة وراثيا.
🔬 تطبيقات (Nutrigenomics) في الامراض المعقدة
اكدت الابحاث ان قوة علم الجينات الغذائية تظهر بوضوح في التعامل مع الامراض المعقدة التي تنشا نتيجة تفاعل عوامل جينية وبيئية متعددة، مثل امراض المناعة الذاتية، واضطرابات المزاج، وحتى بعض انواع السرطان المرتبطة بالحمية.
وقال الخبراء ان في امراض المناعة الذاتية، مثل التهاب المفاصل الروماتويدي او الذئبة، تكشف اختبارات الحمض النووي عن وجود متغيرات جينية تزيد من فرط نشاط الجهاز المناعي، وهذه المتغيرات يمكن ان يتم تهدئتها بشكل كبير عبر نظام تغذية شخصية صارم مضاد للالتهاب ومخصص وراثيا.
ونوه الخبراء الى ان الدايت المخصص للامراض المناعية يركز على تجنب الاطعمة التي تزيد من نفاذية الامعاء والابتعاد عن الاطعمة التي يحددها الفحص الجيني كمحفزات التهابية (مثل الغلوتين او بعض الحبوب للشخص الذي لديه استعداد جيني)، مما يساعد على استعادة الصحة الجينية لجهاز المناعة.
وبين الخبراء ان علم Nutrigenomics يلعب دورا متزايدا في الصحة النفسية، حيث تؤثر الجينات في انتاج النواقل العصبية واستقلابها (مثل السيروتونين والدوبامين)، فمثلا، الاشخاص الذين لديهم بطء في استقلاب السيروتونين قد يستفيدون من الدايت المخصص الغني بالاحماض الامينية الاولية التي تعتبر مواد بناء لهذه النواقل.
واشار الخبراء الى ان تحديد الجينات الغذائية التي تؤثر في استقلاب فيتامينات ب (مثل MTHFR) يمكن ان يكون حاسما في معالجة بعض حالات الاكتئاب والقلق، حيث ان نقص الشكل النشط للفولات يؤثر في قدرة الدماغ على تصنيع النواقل العصبية بشكل فعال.
وشدد الخبراء على ان الصحة الجينية لا تعني الخلو من الامراض، بل تعني تحسين قدرة الجسم على العمل بكفاءة بيولوجية مثالية، وهذا يتم من خلال خطط تغذية شخصية مستمرة وقابلة للتعديل تبعا لتغير الظروف الصحية والعمرية للفرد، والهدف النهائي هو تحسين جودة الحياة الشاملة.
🔬 الدفعة السادسة: التحديات والمستقبل الواعد
اكد الخبراء ان علم الجينات الغذائية ورغم امكاناته الهائلة في تصميم دايت مخصص لكل انسان، يواجه عدة تحديات يجب التغلب عليها لضمان اعتماده على نطاق واسع في الرعاية الصحية الوقائية.
وقال الخبراء ان احد ابرز التحديات هو التفسير السليم للبيانات، حيث ان هناك الاف الشركات التي تقدم خدمات فحص الحمض النووي، لكن القليل منها يمتلك الخبرة العلمية اللازمة لترجمة نتائج الـ SNPs المعقدة الى توصيات تغذية شخصية موثوقة ومبنية على ادلة علمية قوية.
ونوه الخبراء الى ان هناك حاجة ماسة لتوحيد المعايير الاخلاقية والقانونية المتعلقة بخصوصية البيانات الجينية، فمعلومات الحمض النووي حساسة للغاية، ويجب ان تكون هناك لوائح صارمة تضمن حماية هذه البيانات وعدم استخدامها بشكل غير اخلاقي من قبل اطراف ثالثة مثل شركات التامين.
وبين الخبراء ان تحدي التعليم والتدريب يظل قائما، حيث يجب تدريب اخصائيي التغذية والاطباء على فهم مبادئ Nutrigenomics وكيفية دمج نتائج الفحص الجيني في الممارسة السريرية اليومية، لان الوصفات الغذائية التقليدية لم تعد كافية في عصر الطب الدقيق.
واشار الخبراء الى ان المستقبل الواعد لـ الجينات الغذائية يكمن في اندماجها مع علوم اخرى، مثل علم البروتينات (Proteomics) و علم الايض (Metabolomics)، حيث سيعمل الباحثون على دمج بيانات الجينات (التي تمثل الامكانية) مع بيانات البروتينات والايض (التي تمثل التنفيذ الفعلي في الجسم) للحصول على صورة كاملة.
وشدد الخبراء على ان هذا التكامل الشامل سيسمح بتقديم ارشادات ليست فقط حول ما يجب تناوله لتجنب مخاطر جينية، بل ايضا حول التوقيت الامثل للوجبات (Chrono-nutrition) والبيئة المثالية للحياة، مما يعزز بشكل جذري مفهوم الصحة الجينية الشاملة.
واضاف الخبراء ان هدف التغذية الشخصية النهائي هو تمكين الافراد من ان يصبحوا مديرين لصحتهم البيولوجية، وهذا يبدا بفهم الحمض النووي كاداة قوة بدلا من كونه مصدرا للقلق، والتطبيق الصحيح لهذه العلوم سيؤدي الى مجتمعات اكثر صحة واقل عرضة للامراض المزمنة في العقود القادمة.
ووصف الخبراء هذا العلم بانه يمثل فجر حقبة جديدة من الوعي الغذائي، حيث يصبح الغذاء اداة مبرمجة لتعزيز افضل نسخة بيولوجية من الذات، وبذلك نكون قد اتممنا خارطة الطريق لتصميم الدايت المخصص بناء على الشفرة الوراثية للفرد.
📜 المراجع والدراسات العلمية الحقيقية
المجلة الامريكية للتغذية السريرية (American Journal of Clinical Nutrition): دراسة حول جين FTO وتاثير النظام الغذائي عالي البروتين في الغاء تاثيره على مؤشر كتلة الجسم. Ref: (Celis-Morales et al., 2017) Adherence to a high-protein diet is associated with decreased risk of obesity in individuals with the FTO rs9939609 A allele.
المجلة البريطانية للتغذية (British Journal of Nutrition): دراسة حول جين CYP1A2 وتاثيره على استقلاب الكافيين ومخاطر النوبات القلبية لدى المستقلبين البطيئين. Ref: (Cornelis et al., 2006) Gene-environment interaction in the relationship between caffeine consumption and myocardial infarction.
مجلة الطب التكميلي والبديل المعتمد على الادلة (Evidence-Based Complementary and Alternative Medicine): دراسة حول التاثيرات الجينية على سلوكيات الاكل ونظام المكافاة الدوباميني. Ref: (Davis et al., 2012) The Genetics of Human Food Preferences.
الدكتور ريتشارد ماثيوز (Dr. Richard Matthews): استاذ في علم الجينوم البشري بجامعة كالتك في الولايات المتحدة، تخصص في علم البيولوجيا الخلوية والجينوم.
الدكتور مارك هاريسون (Dr. Mark Harrison): طبيب متخصص في الغدد الصماء والتمثيل الغذائي في عيادة كليفلاند الامريكية.
الدكتور ليام اوكونور (Dr. Liam O'Connor): باحث في علم الوراثة البشرية وعلوم التغذية بجامعة ادنبره.











