في تحول استراتيجي يعيد رسم ملامح الطاقة العالمية، تضع السعودية خططًا طموحة تهدف إلى أن تصبح المورد الأول للهيدروجين الأخضر في العالم. بدعم من مشاريع عملاقة تقترب من التشغيل الفعلي، تعكس هذه الخطط التزام المملكة بتحقيق أهداف رؤية السعودية 2030 لبناء اقتصاد متنوع ومستدام.
نيوم: إنجاز يتجاوز 80% وموعد الإنتاج 2026
تشير التقارير الأخيرة إلى أن مشروع نيوم للهيدروجين الأخضر حقق إنجازًا يتجاوز 80% في جميع مكوناته، بما في ذلك منشآت إنتاج الهيدروجين، ومحطات الطاقة المتجددة من الشمس والرياح، وشبكات النقل. ومن المخطط أن يبدأ أكبر مصنع للهيدروجين الأخضر في العالم الإنتاج الفعلي في ديسمبر 2026، وفقًا لتصريحات الشركة المنفذة. يعتمد المشروع، الذي تبلغ قيمته 8.4 مليار دولار، على قدرة توليد كهربائية تصل إلى 4 جيجاوات من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مما يتيح إنتاج 1.2 مليون طن من الأمونيا الخضراء سنويًا، مما يجعله الأول من نوعه على مستوى العالم.
مشروع ينبع: طموح يتجاوز نيوم
لا تتوقف الطموحات السعودية عند حدود مشروع نيوم، إذ أعلنت المملكة عن مشروع ثانٍ في ينبع، الذي سيكون ضعف حجم مشروع نيوم تقريبًا، بطاقة توليد تبلغ 2.2 جيجاوات. ويستهدف مركز ينبع للهيدروجين الأخضر بدء العمليات التجارية بحلول عام 2030 بإنتاج يصل إلى 2.2 مليون طن من الأمونيا الخضراء سنويًا، مما سيحول ساحل البحر الأحمر إلى ممر رئيسي لتصدير الهيدروجين إلى الأسواق العالمية.
رؤية 2030: طاقة متجددة بقدرة 130 جيجاوات
في إطار رؤية المملكة 2030، وضعت السعودية هدفًا لتوليد 50% من الطاقة من مصادر متجددة بحلول عام 2030، عبر رفع القدرة الإجمالية إلى 130 جيجاوات، منها 58.7 جيجاوات من الطاقة الشمسية و40 جيجاوات من طاقة الرياح. هذا الهدف يُعتبر الأكثر طموحًا على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، كما تسعى المملكة للوصول إلى الحياد الصفري بحلول عام 2060، مع استهداف إنتاج 2.9 مليون طن من الهيدروجين سنويًا بحلول 2030، والتوسع إلى 4 ملايين طن بحلول 2035.
استراتيجية الهيدروجين المزدوجة
تتبنى المملكة نهجًا متوازنًا يجمع بين مسارين متكاملين في إنتاج الهيدروجين: الهيدروجين الأخضر، الناتج من التحليل الكهربائي للماء باستخدام طاقة متجددة 100% دون أي انبعاثات كربونية، والهيدروجين الأزرق، الناتج من الغاز الطبيعي مع احتجاز وتخزين الانبعاثات الكربونية. حيث تعمل أرامكو السعودية على تطوير بنية تحتية قادرة على التقاط 44 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا بحلول عام 2035، ما يعزز مكانة المملكة كمحور عالمي للطاقة منخفضة الانبعاثات.
“Saudi Elenex 2025”.. منصة سعودية لعرض حلول الطاقة المستقبلية
في هذا الإطار، اختتمت مؤخرًا فعاليات معرض ومؤتمر “Saudi Elenex 2025” في الرياض، التي تجسد التوجه الوطني نحو التحول الصناعي والطاقة النظيفة. جمع المعرض نخبة من الخبراء وصنّاع القرار لمناقشة مستقبل الطاقة المتجددة وكفاءة المباني الذكية، بالإضافة إلى تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة في كفاءة التشغيل والاستدامة. تناول المؤتمر محاور حول الهيدروجين الأخضر ودوره في المدن الذكية والمصانع المستدامة، ما يمثل أحد الركائز المعرفية والاقتصادية لدعم رحلة المملكة نحو تنويع مصادر الطاقة وتوطين التقنيات الصناعية المتقدمة.
شراكات دولية وميزة تنافسية
تواصل المملكة تعزيز حضورها العالمي عبر شراكات استراتيجية في قطاع الهيدروجين والطاقة المتجددة، جاذبة استثمارات ضخمة من كبرى الشركات الدولية. ويجمع المحللون على أن المملكة تمتلك أقل تكلفة إنتاج للهيدروجين الأخضر عالميًا بفضل وفرة الطاقة الشمسية والرياح، مما يمنحها ميزة تنافسية قوية في سوق يتجاوز حجمه 700 مليار دولار.
رسالة المملكة للعالم
إن هذه المشاريع والفعاليات الكبرى تُرسل رسالة واضحة للعالم بأن السعودية لا تواكب التحول العالمي للطاقة فحسب، بل تقوده. من خلال الجمع بين الموارد الطبيعية الفريدة، والاستثمارات النوعية، والرؤية الاستراتيجية الطموحة، تُعيد المملكة صياغة مكانتها لتتحول من مصدر تقليدي للطاقة إلى قوة رائدة في مستقبل الطاقة النظيفة، تقود العالم نحو عصر جديد من التنمية المستدامة والابتكار الصناعي.